فدخل (١) معهم ، وسكن في أحد بيوت المنارة الشرقية ، وكان يصلّي بالناس ويقرئهم (٢) في شرقي الرواق الأوسط من الجامع ، ولا يأخذ على صلاته أجرا ، ولا يقبل ممن يقرأ عليه برا ، ويقتات من غلة أرض له بداريا ، ويحمل من الحنطة ما يكفيه من الجمعة إلى الجمعة ، ويخرج بنفسه إلى طاحونة كسملين خارج باب السلامة ، فيطحنه ويعجنه ويخبزه ويقتاته طول الأسبوع ، أو كما قال.
وسمعت غير أبي محمّد بن الأكفاني يذكر.
أنه كان يقرأ عليه رجل مبخّل ، له أولاد ، كانوا يشتهون عليه القطائف مدة وهو يمطلهم ، فألقى في روع أبي الحسن بن داود أمرهم ، فسأله أن يتخذ له قطائف فبادر الرجل إلى ذلك ، لأن أبا الحسن لم يكن له عادة بطلب شيء ممن يقرأ عليه ، ولا بقبوله ، واشترى سكرا ولوزا واتّخذها في إناء واسع ، ثم أكل منها ، فوجد لوزها مرا ، فمنعه بخله من عمل غيرها ، وحملها إلى ابن داود متغافلا ، فأكل منها واحدة ثم قال له : احملها إلى صبيانك ، فجاء بها إلى بيته ، فوجدها حلوة ، فأطعمها أولاده ، أو كما قال.
سمعت أبا الحسن علي بن المسلّم الفقيه يحكي عن بعض شيوخه.
أن أبا الحسن بن داود لما كان يصلّي في جامع دمشق تكلّم فيه بعض الحشوية ، فكتب إلى القاضي أبي بكر محمّد بن الطّيّب ابن الباقلاني إلى بغداد ، يعرفه ذلك ، ويسأله أن يرسل إلى دمشق من أصحابه من يوضح لهم الحق بالحجة ، فبعث القاضي تلميذه أبا عبد الله الحسين بن حاتم الأذري فعقد مجلس التذكير في جامع دمشق في حلقة أبي الحسن بن داود ، وذكر التوحيد ونزّه المعبود ، ونفى عليه التشبيه والتحديد ، فخرج أهل دمشق من مجلسه وهم يقولون : أحد أحد. هذا معنى ما ذكره لي ، وأقام أبو عبد الله الأزدي (٣) بدمشق مدة ثم توجه إلى المغرب ، فنشر (٤) العلم بتلك الناحية واستوطن القيروان إلى أن مات بها ، رحمهالله.
أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني ، نا عبد العزيز الكتاني قال :
__________________
(١) كذا بالأصل وم ومعرفة القراء الكبار ، وفي المختصر : ورحل معهم.
(٢) بالأصل وم والمختصر : ويفرقهم ، ولعل الصواب ما أثبت ، فالعبارة في معرفة القراء الكبار : وكان يقرئ بشرقي الرواق الأوسط.
(٣) كذا بالأصل هنا ، وفي م : الأذري.
(٤) في م : «فنثر».