السلام لا تخلو عن متعبد وعندها عين ماء ، والدعاء فيها مستجاب وبسفح هذا الجبل قبر الوليّ الصالح الصحابي بلال الحبشي (١٥٢) ، وعليه زاوية فيها الطعام للوارد والصادر.
والمسجد الجامع بمدينة صنوب من أحسن المساجد وفي وسطه بركة ماء عليها قبّة تقلّها أربع أرجل ومع كل رجل ساريتان من الرخام وفوقها مجلس يصعد له على درج خشب وذاك من عمارة السلطان بروانه ابن السلطان علاء الدين الروميّ ، وكان يصلي الجمعة بأعلى تلك القبة وملك بعد ابنه غازي جلبي ، فلما مات تغلب عليها السلطان سليمان المذكور (١٥٣) ، وكان غازي جلبي المذكور شجاعا مقدما ، ووهبه الله خاصيّة في الصبر تحت الماء وفي قوّة السباحة (١٥٤) ، وكان يسافر في الأجفان الحربيّة لحرب الروم ، فإذا كانت الملاقاة واشتغل الناس بالقتال غاص تحت الماء وبيده آلة حديد يخرق بها أجفان العدو فلا يشعرون بما حلّ بهم حتى يدهمهم الغرق ، وطرقت مرسى بلده مرّة أجفان للعدو فخرقها وأسر من كان فيها! (١٥٥)
وكانت فيه كفاية لا كفاء لها إلّا أنهم يذكرون انّه كان يكثر أكل الحشيش ، وبسببه مات فإنه خرج يوما للتصيد وكان مولعا به فاتبع غرالة ودخلت له بين أشجار وزاد في ركض فرسه فعارضته شجرة فضربت رأسه فشدّخته فمات ، وتغلب السلطان سليمان على البلد
__________________
(١٥٢) ذكر هذا القبر أيضا في دمشق (I ، ٢٢٢).
(١٥٣) بني هذا المسجد الجامع ٦٦٥ ١٢٦٧ من لدن سليمان بيّروان (PERVAN) الوزير السلجوقي ، وقد استمر صامدا وجرت عليه عدة ترميمات إلى يومنا ، وهو معروف تحت اسم جامع علاء الدين ...
(١٥٤) استوقفت هذه الفقرة بعض الذين اشتغلوا بالرحلة ابتداء من الناشرين الأولين (D.S) وانتهاء بگيب لقد لاحظوا ان هنا جملة فراغات لابد من التنبّه اليها :
لقد كان (بروانة) وهو لقب للأمراء الحاكمين في دولة صنوب ، تحت سيادة المغول إيلخان فارس ـ صنوب كانت مخفرا لحماية الطريق التجارية من طرابيزون إلى تبريز.
وقد أسست الدولة حوالي سنة ١٢٦٠ من لدن أحد أصهار سلاجقة الروم وقد خلفه عام ١٣٠١ غازي شلبي ابن السلطان السلجوقي مسعود الثاني المتوفى عام ١٣٠٤. وفي سنة ١٣٢٢ احتلت المدينة من لدن سليمان، يضاف إلى الاضطراب الحاصل أن العمري في أحد مصادره يذكر أن غازي شلبي كان حاكما لصنوب تحت سيادة خلف سليمان ابراهيم ...
(١٥٥) كان من أروع ما سجلته حروب الرّوم والإفرنج والمسلمين من أحداث دعم السباحة للأغراض العسكرية ، وإن الذين يعرفون عن تحمل الخليجيين في مغاصات اللؤلؤ مما تحدثنا عنه ـ وابن بطوطة في سيراف والبحرين ـ لا يستبعدون ما يحكى اليوم عن غازي شلبي الذي مكنته مهارته من القيام بدور الغواصات التي تخرق السفن وتجهز على ربابنتها!!
هذا وحسب المصادر الجنوية فإن هذه الحادثة التي ذكرها ابن بطوطة ربما تؤرخ عام ٧٢٤ ١٣٢٤ وحسب تلك المصادر فإن جلبي الذي يذكر تحت اسم ZARABI ربّما هاجم أسطولا من عشرة سفن جنوية. ١٩٧Note ـ ٤٦٧.P ، ٢.Gibb T.
ـ د. التازي : الأمير مرهف في سفارته للمغرب عن السلطان صلاح الدين بحث قدم للمؤثمر الدولي السادس لتاريخ بلاد الشام ونشرته مجلة أكاديمية المملكة المغربية ... العدد ١١ سنة ١٩٩٤.