وجعل به ابنه ابراهيم ، ويقال : إنّه ايضا يأكل ما كان يأكله صاحبه ، على أن أهل بلاد الروم كلها لا ينكرون أكلها ، ولقد مررت يوما على باب الجامع بصنوب ، وبخارجه دكاكين يقعد الناس عليها ، فرأيت نفرا من كبار الأجناد وبين ايديهم خديم لهم بيده شكّارة مملوّة بشيء يشبه الحنّاء وأحدهم ياخذ منها بملعقة ويأكل وأنا أنظر إليه ولا علم لي بما في الشكّارة فسألت من كان معي فأخبرني أنه الحشيش (١٥٦)! وأضافنا بهذه المدينة قاضيها ونائب الأمير بها ومعلّمه ويعرف بابن عبد الرزّاق.
لما دخلنا هذه المدينة رءانا أهلها ونحن نصلي مسبلي أيدينا ، وهم حنفيّة لا يعرفون مذهب مالك ، ولا كيفية صلاته ، والمختار من مذهبه هو إسبال اليدين ، وكان بعضهم يرى الروافض بالحجاز والعراق يصلّون مسبلي أيديهم ، فاتّهمونا بمذهبهم وسألونا عن ذلك فأخبرناهم انّنا على مذهب مالك فلم يقنعوا بذلك منّا واستقرّت التّهمة في نفوسهم حتى بعث إلينا نائب السلطان بأرنب وأوصى بعض خدامه أن يلازمنا حتى يرى ما نفعله به فذبحناه وأكلناه ، وانصرف الخديم اليه وأعلمه بذلك فحينئذ زالت عنّا التهمة ، وبعثوا لنا بالضيافة ، والروافض لا يأكلون الأرنب!
وبعد أربعة أيام من وصولنا إلى صنوب ، توفيت أمّ الأمير إبراهيم بها فخرجت في جنازتها ، وخرج ابنها على قدميه كاشفا شعره ، وكذلك الأمراء والمماليك وثيابهم مقلوبة ، وامّا القاضي والخطيب والفقهاء فإنهم قلبوا ثيابهم ولم يكشفوا ، بل جعلوا عليها مناديل من الصوف الأسود عوضا عن العمائم ، وأقاموا يطعمون الطعام أربعين يوما ، وهي مدة العزاء عندهم.
__________________
(١٥٦) لقد استرعى انتباه ابن بطوطة تناول النّاس للحشيش في تلك المناطق ، وفيه ما يتناول على شكل معجون أو أقراص يتخذ من أوراق القنّب ، وموقف الإسلام معروف من المخدّرات التي كان بعض المجاهدين يستعملونها استصغارا للموت ، وكان بعض المتصوفة كذلك يتناولونها طلبا للراحة ـ أنظر حول حشيشة الفقراء كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار لتقيّ الدّين المقريزي طبعة جديدة بالأوفسيت ، دار صادر ج I ، ص ١٢٥ وما بعدها دار صادر ، بيروت.