حلب ونزل بمحلة المشارقة ، وكان حينئذ يكتسب بالحياكة ، ثم مل منها وجلس بمسجد الشيخ شمعون بمحلة سويقة حاتم قرب الجامع الكبير ، فكان يقرىء المبتدئين في الألفية النحوية وشرح القطر ونحو ذلك ، ويقرىء في المنهاج الفرعي.
وكان يقنع بسد الرمق ، ويلبس الثياب الخشنة كالعباءة والقميص من الخام مع قدرته على لبس أحسن من ذلك.
ثم تردد إلى دروس الشيخ أبي الجود ، وكان يتفقده *. ثم أخذ يشكو الخواطر على طريق العلوانية. وكيفية شكوى الخواطر أنه يوم الجمعة صبيحة النهار يقرأ أوراد العلوانية ويستمر يذكر الله تعالى حتى ترتفع الشمس على قدر قامتين ، ويجلس السامعون بعضهم إلى ظهر بعض ، ثم يطرق الشيخ رأسه ويقول : أستغفر الله ، فكل واحد يقول كذلك بمفرده ، ثم يشكو بعض جماعات منهم ما لاح في ضميره ، هذا يقول مثلا : أجد نفسي تميل إلى الأطعمة الطيبة وعجزت عن دفعها ، وهذا يقول : أشغلني عن عبادة الله أمور العيال ، وهذا يقول : ما معنى قول ابن الفارض (روحي فداك عرفت أم لم تعرف) ، وهذا يقول : ما معنى قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ)**. وبعد الفراغ من السؤالات يشرح لهم الخواطر واحدا بعد واحد ويستطرد.
قال العرضي الصغير : حضرته مرة فاستطرد إلى أن حكى أنه لما كان في خدمة شيخه أبي الوفا وجده في الليل نائما في الزاوية في الإيوان أيام البرد ، فأيقظه وقال له : يا أحمد ، أوصيك أن لا تتخذ لك بيوتا سوى المساجد لئلا تحاسب عليها في القيامة. وذكر أن شيخه أعطاه مفتاح خزانة الزيت ليعطي منها للمسجد ما يحتاج ، فكان يسمي الله تعالى ويعطي ، واستمر مدة طويلة حتى حمل الحسد رجلا قال للشيخ : إن أحمد لا يقدر على حفظ الزيت ، فسلمه الشيخ المفتاح وعزل الشيخ أحمد ، فما مضى نحو أسبوع وإذا بالرجل قال : قد فرغ الزيت ، فقال الشيخ : سبحان الله! كانت البركة في يد أحمد ، ولو استمر المفتاح عنده كان الزيت يقيم سنوات.
وله مؤلفات مقبولة ، منها «تروية الأرواح» ، و «أعذب المشارب في السلوك
__________________
(*) لعل الصواب : يعتقده.
(**) الفتح : ٤.