ابن أحمد الشيخ زين الدين البتروني نسبة إلى البترون ، ثم الطرابلسي الشافعي الصوفي ، المشهور بابن الغرامي.
قرأ على سيدي علوان الحموي غاية الاختصار والأجرومية وأجاز له كلتيهما ، وتردد إليه مرات في بسط أربع سنوات واستفاد منه عدة استفادات ، ثم خلفه ولده سيدي محمد ، وحفظ ألفية ابن مالك وحلها على بعض النحاة ، واشتغل في التجويد والقراءات والأصولين ، وطالع كتب التفسير والحديث والوعظ ، وعني بخدمة كتب القوم. ثم نظم تصريف الزنجاني في أرجوزة وشرح الجزرية في أرجوزة أخرى ، وسمّط تائية ابن حبيب الصفدي تسميطا جعله لها بمثابة الشرح مستمدا فيه من شرحها لسيدي علوان الحموي.
وبلغني أنه أنشد منها قوله من بيت منها : [وخذ للرفع خفضات] فقيل له إن في بعض النسخ : [وخذ للخفض رفعات] فقال : لم أعرف إلا النسخة الأولى ، وسكت عن القدح في هذه النسخة بتقدير وجودها لاحتمالها التأويل إما بأن المراد وخذ لدفع الخفض ما يوجب الرفعات كما تقول خذ للعدو سلاحا أي لدفعه ، أو بأن المراد وخذ لهذا الداء هذا الدواء كما تقول خذ للقبض مسهلا.
وقدم حلب سنة أربع وستين لدين عظيم علاه فتلقاه بعض أهل الخير وأنزله بالكيزوانية بعد أن كان بزاوية الشيخ عبد الكريم ، واجتمع بالشيخ الزين فيها كأنه وافد عليه لأنه من أهل الطريق مثله ، فلم يكرم نزله وإنما وبخه بأنك لم تتهجد الليلة بالصلاة عندنا ، فأجابه بأنه إن لم يكن ذلك فقد ختمت ختمة كاملة من حفظي في تلك الليلة ويومها.
ثم لما نزل بالكيزوانية صمم العزم والنية على عمل مجالس وعظ بالجامع الأعظم بحلب ، ففعل فهرع الناس إليه من أقطار حلب وشاع بها ذكره وبعد صيته وحضر مجالسه الرجال والنساء ، وتفنن في مجالسه وجال في ميدان الكلام كأنه عين فارسه لما له من حافظة كأنها في السعة لافظة ، وأبى الله تعالى إذن أن يناله الشين من الزين ، غير أن ابن مسلم المغربي سمع أنه أفاد أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم حي في قبره ، فرام تكفيره ، فبلغه أنه استند في ذلك إلى رسالة للجلال السيوطي ، فبلغ من أمره أن اختفى بحجرة من حجرات الجامع الكبير بجوار كرسي الشيخ زين الدين وسمع وعظه ، ثم خرج خفية وسكت عنه خيفة.
ثم كانت وفاة الشيخ عبد الكريم إمام الحنفية بالجامع الكبير ، فعرض إلي بالسعي له في الإمامة فقلت : هي إمامة الحنفية ، فأقدم على أن يقلد الإمام الأعظم ويؤم بهذا الجامع