الأعظم ، فأرسلت إلى القاضي من يخبره بما وقع ، فاجاب بأنه إن تحنّف عندك ثم عندي فالمنصب له ، ففعل وأنا معه عنده ، فعرض له وسر بانتقاله إلى المذهب ، فأخذ بعض علماء الشافعية في الغض منه واسترسل بعض عوامهم في القدح فيه بما هو براء عنه ، فثبت ونبت وكثر الذب عنه وصبر على الأذى ولم ينتصر لنفسه على من آذى ، فهرع إلى مجلسه من هرع بعد أن انقطع عنه من انقطع ، وشكيت له الخواطر ، وانتشق عرف أجوبته العواطر.
واستسقى مرة فخطب الخطبة البليغة البديعة وصلى فسقي الناس وقوي فيه الاعتقاد ، ومع ذلك لم يسلم من الانتقاد ، لما أنه كان قد ذكر لنا في الخطبة أنه صلىاللهعليهوسلم طلب الاستصحاء بعد طلب الاستسقاء ، فذكر صاحبنا ملا مصلح الدين اللاري أنه أخطأ لأن السين للطلب ولا معنى لطلب الطلب ، فقلنا مجاز على سبيل التجريد بأن استعمل الاستصحاء والاستسقاء مجردين عن معنى الطلب بقرينة امتناع طلب الطلب عقلا ، فقال : ما المحوج إلى ارتكابه؟ فقلنا : اقتضى مقام الخطبة الإطناب وكون طلب الاستصحاء بعد طلب الاستسقاء منطقيا بالقياس إلى طلب الصحو بعد طلب السقي ، ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم للخطيب الذي قال : «من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى» بئس خطيب القوم أنت إذ لم تقل (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ)* مع كونه مقام الإطناب بخلاف قوله صلىاللهعليهوسلم حيث قال : (من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ...) ولم يقل مما سوى الله ورسوله إذ لم يكن في مقام الإطناب إذ ذاك على قول ذكروه في التطبيق بين الحديثين.
وما كان انتقاله إلى مذهب أبي حنيفة رضياللهعنه بأعجب من انتقال الإمام الطحاوي إليه ، ولا من انتقال العلامة عز الدين بن عبد السلام الحسيني القيلوي ثم البغدادي ، وهو حنبلي إلى مذهب الشافعي رضياللهعنه ا ه.
وكتب الشيخ إبراهيم بن الملا على هامش نسخة در الحبب المحررة بخطه أنه توفي سنة سبع وسبعين وتسعمائة.
وأرخ الشيخ عبد الكريم المصري نزيل حلب يومئذ وفاته بقوله :
__________________
(*) النساء : ١٤.