قرأت على الحسن بن أبي بكر ، عن أحمد بن كامل (١) القاضي قال : توفي أبو جعفر محمّد بن جرير الطّبري في وقت المغرب من عشية الأحد ليومين بقيا من شوال سنة عشر وثلاثمائة ، ودفن وقد أضحى النهار من يوم الاثنين غد ذلك اليوم في داره برحبة يعقوب ، ولم يغير شيبه ، وكان السواد في شعره ولحيته كثيرا ، وأخبرني أنّ مولده في آخر سنة أربع ـ أو أول سنة خمس ـ وعشرين ومائتين ، وكان أسمر إلى الأدمة ، أعين ، نحيف الجسم ، مديد القامة ، فصيح اللسان ، ولم يؤذن به أحد ، واجتمع عليه من لا يحصيهم عددا إلّا الله ، وصلّي على قبره عدة شهور ليلا ونهارا ، ورثاه خلق كثير من أهل الدين والأدب ، فقال ابن الأعرابي في مرثية له طويلة (٢) :
حدث مفظع وخطب جليل |
|
دقّ عن مثله اصطبار الصّبور |
قام ناعي العلوم أجمع لمّا |
|
قام ناعي محمّد بن جرير |
فهوت أنجم لها زاهرات |
|
مؤذنات رسومها بالدثور |
وتغشّى ضياءها النّيّر الإشراق |
|
ثوب الدّجنّة الدّيجور |
وغدا روضها الأنيق هشيما |
|
ثم عادت سهولها كالوعور |
يا أبا جعفر مضيت حميدا |
|
غير وان في الجدّ والتشمير |
بين أجر على اجتهادك موفور |
|
وسعي إلى التّقى مشكور |
مستحقّا به الخلود لدى جنّة |
|
عدن في غبطة وسرور |
أخبرنا أبو العزّ أحمد بن عبيد الله ـ إذنا ومناولة وقرأ علي إسناده ـ أنبأنا محمّد بن الحسين ، أنبأنا أبو الفرج المعافى بن زكريا ، أنشدنا أبو محمّد الحسن بن عثمان البزار (٣) ، أنشدني محمّد بن الرومي مولى الطاهري في أبي جعفر محمّد بن جرير الطّبري :
كان بحرا من العلوم فلمّا |
|
فاظ (٤) بالنفس غاض بحر معين |
من له بعده إذا هو لا هو |
|
مثله غيره عليه أمين |
آخر الجزء السادس بعد الستمائة من الفرع.
__________________
(١) عن أحمد بن كامل روي في تاريخ الإسلام (حوادث سنة ٣٠١ ـ ٣١٠) ص ٢٨٥ وسير أعلام النبلاء ١٤ / ٢٨٢.
(٢) الأبيات في تاريخ بغداد ٢ / ١٦٦ ـ ١٦٧ والأول والثاني في تاريخ الإسلام وسير أعلام النبلاء.
(٣) كذا بالأصل ود ، وفي «ز» : البزاز.
(٤) كذا بالأصل ود ، وفي «ز» : فاض.