أنت للحجّاج خاصة ، فسأله أن ينشده في مديحه فيه ، فأبى وأقسم ألّا ينشده إلّا من قوله في الحجّاج فأنشده ، وخرج بغير جائزة ، فلمّا أزف الرحيل قال جرير لمحمّد : إن رحلت عن أمير المؤمنين ولم يسمع منّي ولم آخذ له جائزة سقطت آخر الدهر ، ولست بارحا بابه أو يأذن لي في إنشاده ، فارحل أنت وأقيم أنا ، فدخل محمّد إلى عبد الملك فأخبره بقول جرير واستأذنه له ، وسأله أن يسمع منه ، وقبّل يده ورجله ، فأذن له ، ودخل فاستأذن في الإنشاد ، فأمسك عبد الملك عن الإذن له ، فقال له محمّد : أنشد ويحك ، فأنشده قصيدته التي يقول فيها (١) :
ألستم خير من ركب المطايا |
|
وأندى العالمين بطون راح |
فتبسم عبد الملك ثم قال : كذلك نحن ، وما زلنا كذلك ، ثم اعتمد على ابن الزبير فقال :
دعوت الملحدين أبا خبيب (٢) |
|
جماحا هل شفيت من الجماح |
وقد وجدوا الخليفة هبرزيا (٣) |
|
ألفّ العيص ليس من النواحي |
وما شجرات عيصك في قريش |
|
بعشّات الفروع ولا ضواحي |
قال : ثم أنشده إيّاها حتى أتى على ذكر زوجته فيها فقال :
تعزّت أم حزرة ثم قالت |
|
رأيت الموردين ذوي لقاح (٤) |
تعلل وهي ساغبة بنيها |
|
بأنفاس من الشّبم (٥) القراح |
فقال له عبد الملك : فهل يرويها مائة لقحة؟ فقال : إن لم يروها ذلك فلا أرواها الله ، فهل إليها ـ جعلني الله فداك يا أمير المؤمنين ـ من سبيل؟ فأمر له بمائة ناقة وثمانية من الرعاء ، وكانت بين يديه جامات من ذهب ، فقال جرير : يا أمير المؤمنين تأمر لي بواحدة منهن تكون محلبا؟ فضحك ودحس (٦) إليه واحدة منهن بالقضيب ، وقال : خذها لا نفعتك ، فأخذها وقال : بلى والله يا أمير المؤمنين ، لينفعني كل ما منحتنيه ، وخرج من عنده.
قال : وقد ذكر ذلك جرير في شعره فقال يمدح يزيد بن عبد الملك (٧) :
__________________
(١) ديوان جرير ص ٧٣ من قصيدة يمدح عبد الملك بن مروان.
(٢) أو خبيب كنيته عبد الله بن الزبير ، وخبيب ابنه.
(٣) الهبرزي : الصافي ، والخالص.
(٤) عجزه في الديوان : رأيت الواردين ذوي امتناح.
البيت ليس في «ز».
(٥) في «ز» : «الشيخ». والشبم : الماء البارد.
(٦) كذا بالأصل ، ود ، و «ز» ، وفي الأغاني : «وندس».
(٧) البيت في ديوان جرير ص ٢٨٩ من قصيدة يمدح يزيد بن عبد الملك ويهجو آل المهلب.