المنادي ينادي : يا أيها الناس ، من كان من أصحاب الجوع في دار الدنيا فليقم إلى الغداء ، فقام ناس من الناس واحد بعد واحد ، ثم نوديت : يا أبا عبيد قم ، فقمت وقد وضعت الموائد ، فقلت لنفسي : ما يسرني أنّي ثمّ.
ثم أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني ـ شفاها ـ عن عبد العزيز بن أحمد ، أنبأنا عبد الوهّاب ابن جعفر الميداني ـ إجازة ـ حدّثنا علي بن الحسن بن رجاء ، حدّثنا أبو العباس طاهر بن محمّد الإمام ـ إملاء ـ قال : حدّثني بعض إخواني قال : قال أبو عبيد البسري.
خرجت من دمشق أريد إلى القرية ، وكان تحتي حمار ، وأنا حافي (١) ، وإذا ببعض هؤلاء الجند فقال لي : انزل ، فنزلت فركب الحمار ، فاضرّ بي المشي فقلت : تراه ما يراني ، ثم مشيت فأضرّ بي المشي ، فقلت : تراه ما يراني وكان ذلك الجندي يتكلم بكلام كثير فيما هو فيه ، فقال فيما يقول :
أتحسب أنني عن ذاك سالي |
|
وإنّك حين تغضب ما أبالي |
قال : فأصيح صيحة فوقعت ، فمررت في الأرض على وجهي أسبح فالتفت الجندي فقال : عزّ عليّ يا شيخ ، ثم نزل ، ثم أركبني ، ثم قال لي : امض في حفظ الله ، ثم مرّ وتركني.
قرأت على أبي الفتح نصر الله بن محمّد الفقيه عن سهل بن بشر بن أحمد ، أنبأنا أبو عبد الله الحسين بن عبد الكريم الجزري ـ بمكة ـ حدّثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن جهضم قال : وفيما أخبرني يونس بن محمّد مذاكرة عن أبي بكر محمّد بن إسماعيل قال : قال لي أبو عبيد البسري : قال لي أبو العبّاس الخضر : يا أبا عبيد ، أنا أجيء إلى العارفين بالله في اليقظة ، وأجيء إلى المريدين في المنام أؤدبهم ، قال أبو عبيد : فرأيته في المنام ، وكان بيني وبينه نهر ، وقد كان قبل ذلك يجيئني في اليقظة ، فقلت له : أعبر إليّ ، فقال : يا أبا عبيد أنا لا أزور من يدّخر شيئا لغد ، قال أبو عبيد : فلمّا استيقظت جعلت أنظر وأفتّش ، فلم أجد شيئا أعرفه ، فجاءت المرأة فرأت عليّ أثر الغمّ ، فأخبرتها ، فقالت : نعم ، قد كان جاءنا أمس نصف درهم فرفعته ، وقلت : يكون لنا غدا.
أخبرتنا شكر (٢) بنت سهل بن بشر قالت : أنبأنا أبي وأبو نصر ، قالا : أنبأنا علي بن
__________________
(١) كذا بالأصل ، ود ، و «ز».
(٢) بالأصل ، ود ، و «ز» : سكر ، بالسين المهملة ، تصحيف.