فقلت سرا لصاحبي أما |
|
ترى عيناك الذي أراعيه |
إن نظرت عينه محاسنه |
|
تاه علينا بل زاد في التيه |
قال : وأنشدني له أيضا :
سأرحل عن دار أروح وأغتدي |
|
وسيّان فيها مشهدي ومغيبي |
وإن قلّ مني بالجفاء نصيبها |
|
فقد قلّ منها في الوفاء نصيبي |
فإن لم أرعها بالفراق فراعني |
|
ملام خليلي أو ملال حبيبي |
قال لنا أبو عبد الله محمّد بن المحسن بن أحمد بن الملحي السابق أبو اليمن بن الخضر المعرّي ، شاعر مجيد ، يضع القلادة في الجيد ، كثير المختار في الهجاء والتمجيد ، عالم في اللغة والنحو ، وصل إلى بغداد ، وعاشر العلماء بها والشعراء ، وأسمعهم شعره كالأبيوردي وطبقته ، وعرف كلّ منهم إحسانه وما خصّ به من هذا الفن زمانه ، واستفاد من جميع الأئمة كلما يحتاج إليه الشاعر المفلق ، والبليغ المحقق ، حتى لحق بطبقتهم وجلس في مرتبتهم ، ثم انكفأ إلى الشام بقية عمره ، ولما كان بدمشق كان لا يكاد يرى إلّا مع القاضي الزكي وعند والدي وولي الدولة ابن البرّي ، ولمّا سار إلى حلب ، اشتاق السابق إلى بلده وأهله ، فسار من دمشق وأقام بالمعرّة أشهرا ، ثم انتقل إلى حلب ، فأقام بها إلى أن توفي ، وكنت (١) عنده قبل موته فقال لي : قد وصف لي صديقنا أبو نصر بن حكيم (٢) سمّاقية فتقدم إلى من يطبخها وأنفذها لي ، فقلت : نعم ، وانصرفت ، فتقدمت إلى غلام لي بتعجيل ما اقترحه وعدت إلى منزلي عاجلا ، فقدم السابق رقعة بخطه المليح : يا سيّدنا ، كانت السماقية ممسكة فصارت ممسكة ، وأظنّ سمّاقها ما نبت والسكّين عن ذبح شاتها نبت :
فلا شفى الله من يرجو الشفاء بها |
|
ولا علت كفّ ملق كفّه فيها |
فكتبت في ظهر الرقعة وأنفذتها وما اقترحه :
بل كل فلا حرج منه عليك ودع |
|
عنك التمثّل بالأشعار تهديها |
ولا تعنّ لتشقيق الكلام ولا |
|
قصد المعاني تنقاها وتبنيها |
قال ابن الملحي : وكان فخر المعالي وزير تاج الدولة صرف همّته إلى عمارة الجامع ،
__________________
(١) من هنا روي هذا الجزء من الخبر والشعر في الوافي بالوفيات ٣ / ٤٠ ـ ٤١ وفوات الوفيات ٣ / ٣٤٨ ـ ٣٤٩.
(٢) في الوافي : حليم.