وأعطى عمالته لأبي علي بن أبي سواد ، وجعل السابق عليه مشاهرة توقف فيها أبو علي فكتب السابق إلى فخر المعالي :
المسجد الجامع في جلق |
|
إليك بعد الله يستعدى |
صار السوادي له عاملا |
|
وكان لا يصلح للبد |
نهاره لا كان مستهترا |
|
بلعب الشطرنج والنرد |
وليلة يشربها قهوة |
|
صفراء أو حمراء كالورد |
بالكأس والطاس ، ولا يرعوى |
|
مع البغايا ومع المرد |
وهي تلحق أربعين بيتا يصف فيها كلّ أكل مال الجامع والمساجد ويتفنن في الفحش ، فصرف أبو علي عن الجامع ، وصار أبو علي عند فخر المعالي كما ذكره السابق ، وكان السابق سار إلى العراق ومدح شرف الدولة بن قريش ، وبني عمه بقصائد ثابتة في ديوانه ، وفيها من عيون الشعر وحسنه ، ما يلحقه بطبقة من تقدم ، فلما رجع من العراق عمل رسالة لقبها بتحفة الندمان أتى فيها بكل معنى غريب ، وكل شعر مختار لأديب ، وأنفذها إلى أصدقاء له ببغداد ، وهي تشتمل على عشر كراريس وهي من ظريف ما ألّف وعجيب ما صنّف وكتب على ظهرها أبياتا نونية في والدي ، أوّلها :
إذا ما جزى الله الكريم بفعله |
|
فقابل بالإحسان عنا المحسنا |
وصار من بعد انكفائه إلى الشام لا يبرح من دار أبي ليلا ولا نهارا ، وآخر ما عمل من شعره قصيدة مدحه بها بائية أولها :
لا تعذليه كفاه وخط مشيبه |
|
من عذله عوضا ومن تأنيبه |
أجرى غروب الدمع من أجفانه |
|
محمرة ما ابيضّ من غربيبه |
قال لنا ابن الملحي : وأنشدني السّابق لنفسه (١) :
وراح أراحت (٢) ظلام الدجى |
|
فأبدى الفراش إليها فطارا |
رآها توقّد في كأسها |
|
فيمّمها يحسب النور نارا |
وما زلت أشربها قهوة |
|
تميت الظلام وتحيي النهارا |
__________________
(١) الأبيات في الوافي بالوفيات ٣ / ٤٠ وفوات الوفيات ٣ / ٣٤٨.
(٢) في الفوات : أزاحت.