ولبسته فوق المطبقة أتجمل بها ، فدخل فقير ، وكان رثّ الحال فنزعت القميص وألبسته إياه ، ورجعت إلى بيتي وجلست عريانا ، فبقيت شتوتي على ذاك ، ومنع الناس عنّي ، ولم يفتح عليّ شيء البتة ، ثم حمل إلي بعد ذاك قميص ، فلبسته ودخلت إلى المشايخ فقالوا لي : أين كنت؟ قلت : كان من أمري كيت وكيت ، فجعلوها مسألة وتكلموا عليها ، وقالوا : ما كان سبب الايثار (١) فتكلم كلّ واحد بشيء ، فمنهم من جعل عقوبة للإخراج ومنهم من صحح الإخراج ، وجعلوا السبب (٢) اختيار التصفية ثم اتفقوا على أنني كنت أحق به ، وإنما نزعت عن مستحق ، ودفعت إلى غير مستحق ، ففتشت عن ذلك فكان الرجل معه معلوما ، وأنا كنت مجردا ، قال : وسمعت أبا عبد الله يقول : كنت في ابتدائي بقيت أربعين شهرا أفطر كل ليلة بكفّ باقلّى ، فمضيت يوما وافتصدت ، فخرج من عرقي شبيه ماء اللحم ، وغشي عليّ فتحير الفصّاد ، وقال : ما رأيت جسدا بلا دم إلّا هذا (٣).
أخبرنا أبو المظفر عبد المنعم بن عبد الكريم ، أنبأنا أبي الأستاذ الإمام أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري ، قال : سمعت أبا عبد الله بن باكوية الشّيرازي يقول : سمعت أبا أحمد الصغير ـ رحمهالله ـ يقول (٤) : دخل يوما من الأيام فقير فقال للشيخ أبي عبد الله بن خفيف رحمهالله : بي وسوسة ، فقال الشيخ رحمهالله : عهدي بالصوفية يسخرون من الشيطان ، الآن الشيطان يسخر بهم.
قال : وسمعت أبي يقول : سمعت محمّد بن عبد الله الشّيرازي يقول : سمعت أبا أحمد الصغير يقول : سمعت أبا عبد الله بن خفيف يقول (٥) : كنت في حال حداثتي استقبلني بعض الفقراء ، فرأى فيّ أثر الضرّ والجوع ، فأدخلني داره ، وقدّم إليّ لحما طبخ بالكشك ، واللحم متغير (٦) ، فكنت آكل الثريد وأتجنّب اللحم لتغيّره ، فلقمني لقمة فأكلتها بجهد ، ثم لقمني ثانية فبلعته بمشقة ، فرأى ذلك مني وخجل وخجلت لأجله ، فخرجت وانزعجت في الحال للسفر ، فأرسلت إلى والدتي من يحمل إليّ مرقعتي ، فلم تعارضني الوالدة ورضيت
__________________
(١) رسمها بالأصل ود : «الانسا» والمثبت عن «ز».
(٢) رسمها بالأصل ود : «الإنسا» والمثبت عن «ز».
(٣) تبيين كذب المفتري ص ١٩١ ، وسير أعلام النبلاء ١٦ / ٣٤٣.
(٤) الرسالة القشيرية ص ٤٢١.
(٥) الخبر في الرسالة القشيرية ص ٢٩٣ ـ ٢٩٤ تحت عنوان : أحكام السفر.
(٦) في الرسالة القشيرية : وكان اللحم متغير الطعم.