في الديانة والرواية ، ثم دعاهما بعد ذلك وأوصاهما ، فربما كنت أدخل إلى أبي عبد الله الأزركاني ، فيقول لي : يا أبا عبد الله هل لك أن تجعل يومنا للصلاة ، فأقول : ما يأمر الشيخ ، وكان يقوم في ناحية من البيت ، وأقوم في ناحية نصلي (١) العصر ، ثم أقرأ عليه شيئا من الحديث ، أخرج من عنده فيسألني أحمد بن يحيى معاملته معي ، ويقول لي : لا تحب أن يكون لك في ليلك ونهارك وقت ضائع ، فقبلت ما قال لي ، ثم أخذ بعد ذلك في رياضتي فأول رياضة كانت لي أنه حملني إلى السوق ، وجلس على باب المسجد حتى عبر قصّاب ، واشترى قطعة لحم وقال لي : احملها بيدك إلى المنزل ، وارجع إلى عندي ، قال : فأخذتها واستحييت من الناس ، فدخلت مسجدا وتركته بين يدي وأفكر بين حملها وبين أن أعطيها إلى الحمّال ، فاستخرت الله وقلت : لا أخالف هذا الشيخ ، فحملته (٢) بيدي والناس يقولون : أيش هذا؟ وأنا أخجل وأسكت حتى حملته إلى منزله ، ورجعت إليه وأنا عرق مستحي (٣) ، فقال لي : يا بني كيف كانت نفسك في حمل ذلك اللحم بعد أن كان الناس ينظرون إليك بعين عظيم (٤) ، وإنك من أولاد السلاطين ، فحدّثته ، فتبسّم وقال لي : يا بني قد حمدت فعلك وسترى بركته ، قال : وخرجت يوما من الأيام إلى الصلاة ، وكنت حافي (٥) ، على سبيل الرياضة ، فاستقبلني إبراهيم بن روزبه ، وكان من كبار المشايخ في الحديث ، ففاتحني في الكلام وقال (٦) : سقطت ثلجة (٧) وجمدت رجلي ولم يعلم أني حافي ، فلم يزل يحدّثني إلى أن أذنوا ، فلما أردت الانصراف لم يمكنني المشي مما قد أثّر في رجلي التزاقة على الجليد ، فعلم الشيخ واغتمّ وأوهمته أني في عافية ، فرجعت إلى البيت وبقيت أربعين يوما لا أقدر على النهوض ، واحتجت إلى المعالجات ، ثم قصدني بعد ذلك مؤمل (٨) الجصاص وعمل لي خفا قصير الساق وجوربا ، وأخذ رجلي وألبسني وقال لي : تعارض فإن هذه عقوبة وكان كما قال : فإنّي كنت قد اعتقدت أن لا ألبس شيئا سنة ، وأمشي حافي ، قال : وكنت أذهب في حال إرادتي ، وكنت أجمع الخرق من الطرق [و](٩) المزابل وأغسله وأصلح منه ما ألبسه فجمعت مرة من الخرق وأصلحت (١٠) منها مطبقة واشتريت شقة بثلاثة دراهم ، وقطعت منها قميصا
__________________
(١) في «ز» : حتى يصلى العصر.
(٢) كذا بالأصل ود ، وفي «ز» : فحملتها بيدي.
(٣) كذا بالأصل ، ود ، و «ز» بإثبات الياء.
(٤) الأصل ود ، وفي «ز» : بعين عظيمة.
(٥) كذا بالأصل ود ، بإثبات الباء ، وفي «ز» : حاف.
(٦) كذا بالأصل ، وفي د و «ز» : «وقد سقطت» وفي «ز».
(٧) ليست في «ز».
(٨) في «ز» : مؤملا.
(٩) سقطت من الأصل ود ، وأضيفت عن «ز».
(١٠) الأصل ود ، وفي «ز» : وجمعت.