قال (١) : وسمعت أبا أحمد الكبير يقول : سمعت أبا عبد الله بن خفيف يقول : خرجت من شيراز في السفرة الثالثة فتهت في البادية وحدي ، وأصابني من الجوع والعطش ما أسقط من أسناني ثمانية ، وانتثر شعري كله ، ثم وقعت إلى فيد وأقمت بها حتى (٢) تماثلت ، وخرجت إلى مكة ، ومضيت ، إلى بيت المقدس ، وأقمت ما اتفق ، ثم دخلت الشام فبتّ في مسجد إلى جنب دكان صبّاغ ، وبات معي في المسجد رجل به قيام ، فكان يخرج ويدخل إلى الصباح ، فلمّا أصبحنا صاح الناس وقالوا : نقب في دكان الصباغ وأخذ ما فيه ، فدخلوا المسجد ورأونا فسألوا (٣) الخبر ، فقال الرجل المبطون الذي كان في المسجد : لا (٤) أدري إن هذا الرجل طول الليل كان يدخل ويخرج ، وما كنت قد خرجت إلّا مرة تطهرت ، فأخذوني ولا زالوا (٥) يجرّوني ، ويضربونني ويقولون : تكلم ، فاعتقدت التسليم ، فكانوا يغتاظون من سكوتي ، فحملوني إلى دكّان الصبّاغ ، وكان أثر رجل اللص في الرماد ، فقالوا : ضع رجلك فيه ، فوضعت فكان على قدر رجلي ، فزادهم غيظا ، وجاء السلطان (٦) ، وحمل الزيت ، ونصبوا القدر وغلى ، وحمل السكين ومن يقطع اليد ، واستجمع الناس ، فرجعت إلى نفسي وإذا هي ساكنة ، فقلت في نفسي : إذا أرادوا قطع يدي سألتهم أن يقطعوا يساري لأكتب بيميني شيئا ، فجاء الأمير وجلس ، وجعل يهددني ويكلمني بالصولة ، فنظرت إليه فعرفته ، وكان مملوكا لوالدي ، فكلمني بالعربية ، وكلّمته بالفارسية فنظر إليّ وقال : أبو الحسين ، وكنت أكنّى في صباي بأبي الحسين ، فضحكت ، فعرفني من ضحكي ، فأخذ يلطم رأسه ووجهه فاشتغل الناس به ، وإذا بصيحة وقعت : إن اللصوص قد أخذوا ، فمشيت والناس ورائي وأنا ملطخ بالدماء ، جائع ، لي أيام لم أتناول (٧) ، فرأتني عجوز فقيرة فقالت لي : ادخل الدار (٨) واغسل هذا الدم منك ، فدخلت دارها ولم يرني (٩) القوم ، وغلقت الباب وغسلت وجهي ويدي ، وإذا الأمير قد أقبل يطلبني ، فدخل ومعه جماعة ، وجرّ من منطقته سكينا ،
__________________
(١) القائل : أبو عبد الله بن باكويه ، ومن طريقه روي الخبر في سير أعلام النبلاء ١٦ / ٣٤٣ ـ ٣٤٤.
(٢) كتبت فوق الكلام بين السطرين بالأصل.
(٣) في «ز» ، ود : فسألونا الخبر.
(٤) بالأصل ود : «قال : لا أدري» والمثبت عن «ز».
(٥) بالأصل ود : «زال» والمثبت عن «ز».
(٦) في «ز» : وجاءوا إلى السلطان.
(٧) كذا بالأصل ، وفي د : «لم أتناول شيئا» وفي «ز» : لم أتناول طعاما.
(٨) في الأصل ود : «ادخل لي الدار» والمثبت عن «ز».
(٩) بالأصل ود : «ولم يروني القوم» وفي «ز» : «يراني» والمثبت عن سير الأعلام.