وحلف بالله لئن مسكني إنسان لأقتلنّ نفسي بهذا السكين ، فانقبض الناس عنه ، فضرب بيده رأسه ، ووجهه مائة صفعة حتى منعته أنا ، ثم اعتذر وجهد بي كل الجهد أن أقبل منه شيئا ، فأبيت وهربت ليومي من المدينة ، فحدثت بعض المشايخ فقال : هذا عقوبة انفرادك ، فما دخلت بعدها بلدا فيه فقراء إلّا قصدتهم.
أنبأنا أبو القاسم عبد الرّحمن بن طاهر بن سعيد بن فضل الله ، أنبأنا أبو شجاع محمّد ابن سعدان ، أنبأنا أبو الحسن علي بن بكران الصوفي ، أنبأنا أبو الحسن علي الديلمي قال : سمعت الشيخ ـ يعني ـ ابن خفيف يقول : كنت في البادية فأصابني السموم (١) ولم يكن معي ماء ولا زاد ، فطرحت نفسي ونمت كالسكران ، قال : فانتبهت وإذا عند رأسي قطعة تمر ، وركوتي ملأى ماء ، ففرحت وتوهمت أنها آية ظهرت لي ، فكنت أستقل بها حتى دخلت المدينة ، ففي بعض الأيام كنت جالسا عند القبر ، فإذا ببدويين دخلا المسجد ، فقصدا القبر فقال أحدهما للآخر : هذا صاحبنا ، فجاءا (٢) وسلما عليّ ، وقالا : رأينك في موضع كذا وكذا ، وقد ضرّ بك السموم ، فحركناك فلم تنتبه ، فتركنا عندك الماء والتمر ، قال : فقلت في نفسي : ما اصطدنا شيئا ، وخاب ظننا ، فكان يمزح إذا حكى هذه الحكاية ، ويقول : هذه كانت من آياتي.
قال الديلمي : وسمعت أحمد بن محمّد وهو ثقة أمين قال : كان بي وجع القولنج ، وأعياني علاجه ، وأعيا الأطباء معالجته ، فما رأيت فيه برءا ، فرأيت الشيخ ـ يعني ـ ابن خفيف في النوم وذاك بعد موته فقال لي : ما لك فقلت بي هذه العلة ، وقد أعيتني وأعيا الأطباء معالجته (٣) فقال لي : لا عليك فغدا تبرأ ولا يوجعك بعد ، قال : فلما أصبحت انحلّت طبيعتي من غير دواء ، وأقامني مجالس وسكن الوجع.
قال : وسمعت عبد الرحيم يقول : كان الشيخ يذكر الكرامات يوما فقال : ما عرفت لنفسي شيئا منها إلّا مرة واحدة ، وذلك أنّا كنا شيعنا الحاج ، وكنت أنا وصاحب لي ، فلما بلغنا دار سار (٤) موضعا كان يجتمع فيه الحاج في الصحراء قال : فقعدنا نتذاكر في الكرامات ، وطال جلوسنا ، وذهب الحاج ، فعبر علينا بعد الحاج فارسان مشيعان للحاج ،
__________________
(١) السموم : الريح الحارة.
(٢) الأصل : «فجاء» والمثبت عن د ، و «ز».
(٣) كذا بالأصل ود ، وفي «ز» : معالجتها.
(٤) كذا رسمها ، وفي د : «دارنسار» وفي «ز» : «دايسار» ولم أجده.