حدّثنا أبو عبد الرّحمن قال : سمعت عبد الواحد بن بكر الورثاني يقول : سمعت أبا بكر محمّد بن داود الدّقّي يقول : من ألف الاتصال ثم ظهر له عين الانفصال تنغص عيشه ، وانمحق عليه وقته ، وصار متلاشيا في محل الوحشة ، وأنشأ يقول :
لو أن الليالي عذبت بفراقنا |
|
محا دمع عين الليل نور الكواكب |
ولو جرع الأيام كأس فراقنا |
|
لأصبحت الأيام شهب الذوائب |
قرأت على أبي الفتح نصر الله بن محمّد ، عن أبي الفرج سهل بن بشر ، أنبأنا أبو عبد الله الحسين بن عبد الكريم الجزري ـ بمكة ـ حدّثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن جهضم الهمداني قال : وسمعت أبا بكر الدّقّي يقول : كنت إذا فتح لي بشيء لا أبيته لغد (١) ، ومهما فتح لي (٢) من النهار أخرجه قبل الليل ، فدفع إليّ ذات يوم ثلاثة دراهم بالعشي ، فقلت : أخرجه إذا أصبحنا ، فجعلته في وسطي ونمت ، فرأيت في المنام كأنّي قد حشرت وفي وسطي ثلاثة دنانير فاغتممت وجعلت أحلّها وأتعجب من ذلك ، فقال لي قائل : هذه الثلاثة دراهم (٣) التي ادّخرتها فانتبهت فزعا ، فقمت ودفعتها للوقت إلى الفقراء.
قال : وسمعت ـ يعني ـ أبا بكر الدّقّي يقول : كنت أخرج كلما فتح لي إلى الفقراء ولا أدّخر منه لنفسي شيئا ، ففتح عليّ بالرملة نصف دينار ، وكان علي ببيت المقدس نصف دينار دينا ، وقدم جماعة فقراء من الحجاز فقصدوني ، وسلّموا عليّ ، فجعلت أميز بين أن أحبسه لقضاء ديني ، وبين أن أخرجه على ما عودت من خليفتي ، فقوي علي شاهد العلم أن إمساكه للدين أولى ، فبات الفقراء جياعا على حالهم ، وبتّ معهم فضرب عليّ ضرس من أضراسي تلك الليلة ، فلم أنم ، فأشير علي بقلعه ، فجئت إلى حسن الشرقي صاحب لنا ، وأخذت منه نصف درهم ، وقلعت (٤) الضرس ، ثم خطر بقلبي إخراج النصف دينار ، ثم قلت : الدين أوجب ، فحبسته ، فضرب عليّ في الليلة الثانية ضرس آخر أسهرني وبات الفقراء جياعا ، فلمّا أصبحنا جئت إلى حسن الشرقي وأخذت نصف درهم وقلعت الضرس ، ثم ذكرت النصف دينار فقلت لعلي عوقبت بحبسه ، ثم قلت : ما هو لي ، وإنما (٥) حبسته لغيري قضاء دين علي ، ثم ضرب عليّ ضرس آخر ، فهممت بقلعه فأخرجته قبل الليل قال : فهتف بي هاتف :
__________________
(١) في «ز» : بعد.
(٢) في «ز» : عليّ.
(٣) كذا بالأصل ود ، و «ز» : «دراهم» بدون ألف التعريف.
(٤) في «ز» : وقلعت به الضرس.
(٥) في «ز» : فإني.