قبل العشرين وأربعمائة ، وكنت أحمل السماع على الكتف سنة خمس وعشرين وأوّل ما سمعت من الفقيه أبي القاسم أصبغ بن راشد بن أصبغ اللخمي ، وكنت أفهم ما يقرأ عليه وكان قد أتى ابن أبي زيد ، وقرأ عليه وتفقّه ، وروى عنه الرسالة ومختصر المدونة ، قال الحميدي : وأصل أبي من قرطبة من محلة يقال لها الرّصافة ، وسكن أبي الجزيرة ، وولدت أنا بها ، والجزيرة شرقي الأندلس ، وقرطبة نحو غربيها وهي كانت مسكن بني أمية.
أنشدنا أبو محمّد هبة الله بن أحمد بن محمّد ، أنشدنا محمّد بن أبي نصر ، أنشدني أبو محمّد علي بن أحمد بن سعيد الحافظ بالأندلس لنفسه :
أقمنا ساعة ثم افترقنا |
|
وما يغني المشوق وقوف ساعة |
كأن الشمل لم يك ذا اجتماع |
|
إذا ما شتت الدهر اجتماعه |
أنبأنا أبو الفضل محمّد بن محمّد بن عطاف ، أنشدنا أبو عبد الله الحميدي لنفسه (١) :
طريق الزهد أفضل ما طريق |
|
وتقوى الله تأدية الحقوق |
فثق بالله يكفيك واستعنه |
|
يعنك وذر بنيات الطريق |
ولا يغررك من يدعى صديقا |
|
فما في الأرض أعون من صديق |
سألنا عن حقيقته قديما |
|
فقيل سألت عن بض الأنق |
سمعت أبا عبد الله يحيى بن الحسن بن البنّا (٢) يحكي [أن](٣) الحميدي كان من حرصه على السماع كان ينسخ بالليل في حرّ بغداد ، فكان يجلس في إجّانة (٤) فيها ماء يتبرد به [وينسخ](٥) وهو على تلك الحال ، أو كما قال ، سمعت أبا عبد الله الحسين بن محمّد بن خسرو (٦) ببغداد يقول : قصد أبو بكر بن ميمون الدباس أبا عبد الله الحميدي فدقّ عليه بابه ، فسمعه يهمهم ، فظنه قد أذن له ، فدخل عليه ، فجاءه فوجده مكشوف الفخذ ، فبكى الحميدي بكاء شديدا وقال : والله لقد نظرت إلى موضع لم ينظره أحد منذ عقلت ، أو كما قال.
قرأت على أبي محمّد عبد الكريم بن حمزة ، عن أبي نصر بن ماكولا قال : أخبرني صديقنا أبو عبد الله محمّد بن أبي نصر الحميدي وهو من أهل العلم والفضل والتيقظ ، فذكر عنه حكاية.
__________________
(١) البيتان الأول والثاني في سير أعلام النبلاء ١٩ / ١٢٧ وتذكرة الحفّاظ ٤ / ١٢٢٢.
(٢) سير أعلام النبلاء ١٩ / ١٢٢.
(٣) زيادة عن «ز» ، للإيضاح.
(٤) الإجّانة : إناء يغسل فيه الثياب.
(٥) زيادة لازمة عن «ز».
(٦) من طريقه روي الخبر في سير أعلام النبلاء ١٩ / ١٢٢.