الغليظ هواؤه ، الثقيل ماؤه ، الجفاة أهله؟ قلنا : طلب الحديث والأدب ، قال : حبذا ، أتنشدوني أو أنشدكم؟ قلنا : أنشدنا ، فقال :
الله يعلم أنني كمد |
|
لا أستطيع أبث ما أجد |
روحان لي روح تضمنها |
|
بلد وأخرى حازها بلد |
وأرى المقيمة (١) ليس ينفعها |
|
صبر وليس يضرها جلد |
وأظن غائبتي كشاهدتي |
|
بمكانها تجد الذي أجد |
ثم أغمي عليه ، وأفاق فصاح بنا ، فقعدنا إليه ، فقال : تنشدوني أو أنشدكم؟ قلنا : أنشدنا ، فأنشدنا :
لما أناخوا قبيل الصح عيسهم |
|
ورحلوها (٢) فثارت بالهوى الإبل |
وأبرزت من خلاف السجف ناظرها |
|
ترنو إلي ودمع العين منهمل |
وودّعت ببنان حمله (٣) غنم |
|
فقلت : لا حملت رجلان يا جمل |
ويلي من البين ما ذا حل بي وبها |
|
من بارح (٤) الوجد حل البين فارتحلوا |
إنّي على العهد لم أنقض مودّتهم |
|
فليت شعري لطول الدهر ما فعلوا؟ |
فقال فتى من المجّان : ماتوا؟ قال : فأموت أنا إذا؟ [قال : مت راشدا](٥) ثم تمطّى ، وتمدد ، فما برحنا حتى دفناه.
وقد وقع إليّ كتاب عقلاء المجانين لابن أبي الأزهر ، فلم أجد هذه الحكاية فيه.
ذكر أبو الفتح بن جني في إملاء الخاطر ونقلته من خط أبي الحسين هبة الله بن الحسن رحمهالله ونقله من خط أبي الفتح قال :
ومن هذا ما يحكى من أن أبا عثمان (٦) لما عمل كتاب : «الألف واللام» ، تناوله كافة أصحابه عن جليله فكانوا فيه متقاربي الأحوال ، ثم إنه سأل أبا العباس يعني المبرّد عن دقيقه ومعتاصه ، فأحسن الجواب عنه ، فقال له أبو عثمان : قم فأنت المبرّد ، أي المثبّت للحق.
__________________
(١) بالأصل : «القيمة» والمثبت لتقويم الوزن مع معجم البلدان.
(٢) في معجم البلدان : دير هزقل ٢ / ٥٤١ : وثوروها.
(٣) في معجم البلدان : خلته غنم.
(٤) معجم البلدان : من نازح الوجد.
(٥) الزيادة بين معكوفتين عن معجم البلدان للإيضاح.
(٦) يعني أبا عثمان بكر بن محمد بن بقية المازني ، راجع ترجمته في بغية الوعاة ١ / ٤٦٣.