قد قدم من مصر فقال : الإذن على أمير المؤمنين. قلت : ليس هذه ساعة إذن ، فأعلمني ما قدمت له ، قال : لا ، قلت : فإن كان معك كتاب فادفعه إليّ قال : لا. قال : فأبلغ بعض من حضرني أمير المؤمنين ، فخرج ، فقال : ما هذا؟ قلت : رسول قدم من مصر ، قال : فخذ الكتاب ، قلت : زعم أنه ليس معه كتاب ، قال : فسله عما قدم فيه ، قلت : قد سألته فلم يخبرني ، قال : أدخله ، فأدخلته ، فقال : آجرك الله يا أمير المؤمنين في عبد العزيز! فاسترجع وبكى ووجم ساعة ، ثم قال : يرحم الله عبد العزيز ، مضى والله عبد العزيز لشأنه ، وتركنا وما نحن فيه وبكى النساء وأهل الدار ، ثم دعاني من غد ، فقال لي : إنّ عبد العزيز قد مضى لسبيله ، ولا بدّ للناس من علم ، وقائم يقوم بالأمر من بعدي ، فمن ترى؟ قلت : يا أمير المؤمنين سيّد الناس وأرضاهم وأفضلهم الوليد بن عبد الملك ، قال : صدقت ، وفقك الله ، ثم من ترى أن يكون بعد؟ قلت : يا أمير المؤمنين ، أين تعدوها (١) عن سليمان فتى العرب ، قال : وفّقت ، أما إنّا لو تركنا الوليد وإياها لجعلها لبنيه ؛ اكتب عهدا للوليد وسليمان من بعده. فكتبت بيعة الوليد ، ثم سليمان من بعده ، فغضب عليّ الوليد ، فلم يولني شيئا حين أشرت لسليمان من بعده.
أخبرنا أبو محمّد عبد الكريم بن حمزة ، نا أبو بكر الخطيب ، أنا أبو الحسن الحمّامي ، أنا أحمد بن سلمان النجاد ، نا أبو بكر بن أبي الدنيا ، نا يعقوب بن إسحاق بن زياد ، نا أبو همّام الصلت بن محمّد ، نا مسلمة بن علقمة ، عن داود بن أبي هند ، حدّثني محمّد بن يزيد قال :
لما قام سليمان بن عبد الملك ، بعثني إلى العراق إلى المسيّرين ، أهل الديماس الذين سجنهم الحجاج ، قال : فأخرجتهم فيهم يزيد الرقاشي ، ويزيد الضبي ، وعابدة (٢) من أهل البصرة ، فأخرجتهم في عمل ابن أبي مسلم ، وعنّفت ابن أبي مسلم بصنيعه ، وكسوت كلّ رجل منهم ثوبين. فلما مات سليمان ومات عمر كنت مستعملا على أفريقية فقدم عليّ يزيد بن أبي مسلم في عمل يزيد بن عبد الملك فعذّبني عذابا شديدا حتى كسر عظامي ، فأتى بي يوما أحمل في كساء عند المغرب ، فقلت : ارحمني ، قال : التمس الرحمة عند غيري ، لو رأيت ملك الموت عند رأسك لنا ذرته نفسك ، اذهب حتى أصبح لك.
__________________
(١) الطبري : أين تعدلها.
(٢) بالأصل : وعائدة ، والمثبت عن المختصر.