أخذت الطيلسان فبعته وأعطيت ثمنه المساكين ، فقال : نعم لو لا أن يقال من بعدي أخذه طاوس ، فلا يصنع فيه ما أصنع ، إذا لفعلت.
أخبرنا أبو سعد بن البغدادي ، أنا أبو العباس أحمد بن محمّد بن حمدان بن القاسم الطّهراني ، وأبو عمرو بن مندة ، قالا : أنا أبو محمّد بن يوه ، أنا أبو الحسن اللّنباني (١) ، نا ابن أبي الدنيا ، حدّثني أبو حاتم الرازي ، حدّثني أحمد بن عبد الله بن عياض القرشي ، نا عبد الرّحمن بن كامل القرقساني ، أنا علوان بن داود [نا](٢) علي بن يزيد قال : قال طاوس :
بينا أنا بمكة بعث إليّ الحجاج فأجلسني إلى جنبه ، وأتكأني على وسادة إذ سمع ملبيا يلبي حول البيت رافعا صوته بالتلبية ، فقال : عليّ بالرجل ، فأتي به ، فقال : ممن الرجل؟
قال : من المسلمين ، قال : ليس عن الإسلام أسألك ، قال : فعمّ سألت؟ قال : سألتك عن البلدة ، قال : من أهل اليمن ، قال : كيف تركت محمّد بن يوسف ـ يريد أخاه ـ قال : تركته عظيما ، جسيما ، لباسا ركابا خراجا ولّاجا ، قال : ليس عن هذا سألتك ، قال : فعمّ سألت؟ قال : سألت عن سيرته؟ قال : تركته ظلوما غشوما مطيعا للمخلوق عاصيا للخالق ، فقال له الحجّاج : ما يحملك على أن تتكلم بهذا الكلام وأنت تعلم مكانه مني ، قال الرجل : أتراه بمكانه منك أعزّ مني بمكاني من الله ، وأنا وافد بيته ومصدّق نبيه ، وقاضي دينه ، قال : فسكت الحجّاج فما أحار به جوابا ، وقام الرجل من غير أن يؤذن له ، فانصرف.
قال طاوس : فقمت في أثره وقلت : الرجل حكيم ، فأتى البيت فتعلق بأستاره ثم قال : اللهم اجعل لي في اللهف إلى جودك والرضا بضمانك مندوحة عن منع الباخلين ، وغنّى عما في أيدي المستأثرين (٣) ، اللهم فرجك القريب ، ومعروفك القديم ، وعادتك الحسنة ، ثم دخلت في الناس فرأيته عشية عرفة ، وهو يقول : اللهم إن كنت لم تقبل حجتي وتعبي ونصبي فلا تحرمني الأجر عن مصيبتي بتركك القبول مني ، ثم ذهب في الناس ، فرأيته غداة جمع يقول : وا سوأتاه منك ، والله إن غفرت ، يردد ذلك.
أخبرنا أبو العزّ بن أحمد بن عبيد الله (٤) السلمي ـ مناولة وإذنا وقرأ عليّ إسناده ـ أنا
__________________
(١) تحرفت بالأصل إلى : اللبناني.
(٢) زيادة منا للإيضاح.
(٣) غير مقروءة بالأصل ، والمثبت عن المختصر.
(٤) تحرفت بالأصل إلى : عبد الله ، والصواب عن سند مماثل ، والسند معروف.