لما وفد أهل البصرة إلى معاوية بن أبي سفيان ، خرج آذنه فنظر إلى وجوه الناس ، فقال للأحنف بن قيس : أدخل ، فدخل ، ثم أذن للمنذر بن جارود ، ثم أذن لشقيق بن ثور ، وفي القوم مالك بن مسمع لا يأذن له ، لما كان منه إلى عامله بالبصرة زياد ، لفعلته به في تثبيت العطاء ، فلم يزل يأذن لرجل رجل حتى أذن للجملة ، فدخلوا ، وفيهم مالك ، فجعل الناس يسرعون ومالك يمشي على رسله ، فأخذوا أمكنتهم ، وأقبل مالك يمشي حتى وقف بين يدي معاوية ، فقال له معاوية : أبو غسّان ، قال : نعم ، قال : هاهنا ، فأجلسه معه على سريره ، فقام رجل من بكر بن وائل ، أحد بني ذهل ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أتجلس هذا معك على السرير وهو عمل بعاملك على العراق ما عمل من خروجه عليه في أمر العطاء؟ فقال أبو غسّان : وما يمنع أمير المؤمنين أن يجلسني معه وأنت ابن عمي ، فخرج الناس يومئذ ومالك سيّدهم بحلمه ، وإكرام معاوية له ، ومعرفته بفضله.
قرأت بخط أبي الحسن عبد الرّحمن بن أحمد بن معاذ ، أنا أبو العباس أحمد بن محمّد البغوي ، أنا أبو الطيّب محمّد بن إسحاق بن يحيى بن الأعرابي بن الوشاء قال : قال حضين (١) بن المنذر في مالك بن مسمع (٢) :
حياة أبي غسّان خير لقومه |
|
لمن كان قد قاسى الأمور وجرّبا |
ونعتب أحيانا عليه ولو مضى |
|
لكنّا على الباقي من الناس أعتبا |
أخبرنا أبو العزّ أحمد بن عبيد الله ـ فيما قرأ عليّ إسناده وناولني إيّاه وقال : اروه عني ـ أنا محمّد بن الحسين بن محمّد بن الحسين ، أنا المعافى بن زكريا القاضي ، نا محمّد بن القاسم الأنباري ، حدّثني أبي ، نا محمّد بن أحمد ، نا عمرو بن علي بن بحر بن كثير السقا ، مولى باهلة ، أبو حفص ، نا محمّد بن عباد المهلبي ، عن أبي بكر الهذلي.
أنه قال لأبي العباس السفّاح : يا أمير المؤمنين ، هل كان في بكر بن وائل بالكوفة مثل مالك بن مسمع الذي يقول له الشاعر :
إذا ما غشينا من أمير ظلامة |
|
دعونا أبا الأيتام يوما فعسكرا |
وهل كان في قيس عيلان الكوفة مثل قتيبة بن مسلم الذي يقول له الشاعر :
__________________
(١) بالأصل والإصابة هنا : حصين ، بالصاد ، والصواب : حضين ، بالضاد المعجمة ، ترجمته في المؤتلف والمختلف للآمدي ص ٨٧.
(٢) البيت الأول في الإصابة ٣ / ٤٨٥.