الثاني أنه موصول وقد فصل بينه وبين معموله بالخبر الذي هو (إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) وذلك إعمال لا يجوز لا يقال ضرب زيد شديد عمرا ، الثالث أنه يلزم من ذلك إعمال ما قبل (إِلَّا) في ما بعدها من غير أن يكون ذلك المفعول مستثنى أو مستثنى منه أو صفة له وإذ ليس واحدا من هذه الثلاثة فلا يجوز ما قام إلا زيد يوم الجمعة وقد أجاز ذلك الكسائي والأخفش ، وأما كونه منصوبا بما في (عِنْدِ اللهِ) من معنى الفعل فيضعفه المعنى لأنه يصير استقرار النصر مقيدا بالظرف والنصر من عند الله مطلقا في وقت غشي النعاس وغيره وأما كونه منصوبا بما جعله الله فقد سبقه إليه الحوفيّ وهو ضعيف أيضا لطول الفصل ولكونه معمول ما قبل (إِلَّا) وليس أحد تلك الثلاثة ، وقال الطبري العامل في (إِذْ) قوله (وَلِتَطْمَئِنَ). قال ابن عطية : وهذا مع احتماله فيه ضعف ، وقال أبو البقاء : ويجوز أن يكون ظرفا لما دلّ عليه (عَزِيزٌ حَكِيمٌ) وقد سبقه إلى قريب من هذا ابن عطية فقال : ولو جعل العامل في (إِذْ) شيئا قرنها بما قبلها لكان الأولى في ذلك أن يعمل في (إِذْ حَكِيمٌ) لأن إلقاء النعاس عليهم وجعله أمنة حكمة من الله عزوجل انتهى ، والأجود من هذه الأقوال أن يكون بدلا.
وقرأ مجاهد وابن محيصن وأبو عمرو وابن كثير (يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ) مضارع غشى و (النُّعاسَ) رفع به ، وقرأ الأعرج وابن نصاح وأبو حفص ونافع يغشيكم مضارع أغشى ، وقرأ عروة بن الزبير ومجاهد والحسن وعكرمة وأبو رجاء وابن عامر والكوفيون يغشيكم مضارع غشي و (النُّعاسَ) في هاتين القراءتين منصوب والفاعل ضمير الله وناسبت قراءة نافع قوله (يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ) (١) وقراءة الباقين وينزل حيث لم يختلف الفاعل ومعنى يغشيكم يعطيكم به وهو استعارة جعل ما غلب عليهم من النعاس غشيانا لهم ، وتقدم شرح (النُّعاسَ) و (أَمَنَةً) في آل عمران والضمير في (مِنْهُ) عائد على الله وانتصب (أَمَنَةً) ، قيل على المصدر أي فأمنتم أمنة والأظهر أنه انتصب على أنه مفعول له في قراءة يغشيكم لاتحاد الفاعل لأنّ المغشي والمؤمن هو الله تعالى ، وأما على قراءة (يُغَشِّيكُمُ) فالفاعل مختلف إذ فاعل (يُغَشِّيكُمُ) هو (النُّعاسَ) والمؤمن هو الله وفي جواز مجيء المفعول له مع اختلاف الفاعل خلاف ، وقال الزمخشري ، (فإن قلت) : أما وجب أن يكون فاعل الفعل المعلل والعلة واحدا ، قلت بلى ولكن لما كان معنى (يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ) تتغشون انتصب (أَمَنَةً) على أن النعاس والأمنة لهم والمعنى إذ تتغشون أمنة بمعنى أمنا أي لأمنكم
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٥٤.