و (مِنْهُ) صفة لها أي (أَمَنَةً) حاصلة لكم من الله تعالى ، (فإن قلت) : هل يجوز أن ينتصب على أن الأمنة للنعاس الذي هو (يُغَشِّيكُمُ) أي يغشاكم النعاس لأمنه على أنّ إسناد الأمن إلى النعاس إسناد مجازي وهو لأصحاب النعاس على الحقيقة أو على أنه إمامكم في وقته كان من حق النعاس في ذلك الوقت المخوف أن لا يقدم على غشيانكم وإنما غشاكم أمنة حاصلة من الله تعالى لو لا ها لم يغشاكم على طريقة التمثيل والتخييل ، (قلت) : لا تتعدى فصاحة القرآن عن احتماله وله فيه نظائر ولقد ألمّ به من قال :
يهاب النوم أن يغشى عيونا |
|
تهابك فهو نفار شرود |
وقرىء (أَمَنَةً) بسكون الميم ونظير أمن أمنة حيي حياة ونحو أمن أمنة رحم رحمة ، والمعنى أنّ ما كان بهم من الخوف كان يمنعهم من النوم فلما طامن الله تعالى قلوبهم أمنهم وأقروا ، وعن ابن عباس : النعاس في القتال أمنة من الله تعالى وفي الصلاة وسوسة من الشيطان انتهى ، وعن ابن مسعود شبيه هذا الكلام وقال النعاس عند حضور القتال علامة أمن من العدو وهو من الله تعالى وهو في الصلاة من الشيطان ، قال ابن عطية : وهذا إنما طريقة الوحي فهو لا محالة يسنده انتهى ، والذي قرأ (أَمَنَةً) بسكون الميم هو ابن محيصن ورويت عن النخعي ويحيى بن يعمر وغشيان النوم إياهم قيل حال التقاء الصفين ومضي مثل هذا في يوم أحد في آل عمران ، وقيل : الليلة التي كان القتال في غدها امتنّ عليهم بالنوم مع الأمر المهم الذي يرونه في غد ليستريحوا تلك الليلة وينشطوا في غدها للقتال ويزول رعبهم ، ويقال : الأمن منيم والخوف مسهر والأولى أن يكون ترتيب هذه الجمل في الزمان كترتيبها في التلاوة فيكون إنزال المطر تأخر عن غشيان النعاس ، وعن ابن نجيح أن المطر كان قبل النعاس واختاره ابن عطية قال ونزول الماء كان قبل تغشية النعاس ولم يترتب كذلك في الآية إذ القصد منها تعديد النعم فقط.
وقرأ طلحة (وَيُنَزِّلُ) بالتشديد ، وقرأ الجمهور ماء بالمد ، وقرأ الشعبي ما بغير همز ، حكاه ابن جنّي ، صاحب اللوامح في شواذ القراءات ، وخرّجاه على أنّ ما بمعنى الذي ، قال صاحب اللوامح : وصلته حرف الجر الذي هو (لِيُطَهِّرَكُمْ) والعائد عليه هو ومعناه الذي هو (لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) انتهى ، وظاهر هذا التخريج فاسد لأنّ لام كي لا تكون صلة ومن حيث جعل الضمائر هو وقال معناه الذي هو ليطهركم ولا تكون لام كي هي الصلة بل الصلة هو ولام الجر والمجرور ، وقال ابن جنّي ما موصولة وصلتها حرف الجر بما جره فكأنه قال ما للطهور انتهى. وهذا فيه ما قلنا من مجيء لام كي صلة ويمكن تخريج هذه القراءة على