(وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ). يعني الذين لحقوا بالهجرة من سبق إليها فحكم تعالى بأنهم من المؤمنين السابقين في الثواب والأجر وإن كان للسابقين شفوف السّبق وتقدّم الإيمان والهجرة والجهاد ومعنى (مِنْ بَعْدُ) من بعد الهجرة الأولى وذلك بعد الحديبية قاله ابن عباس ، وزاد ابن عطية وبيعة الرضوان وذلك أنّ الهجرة من بعد ذلك كانت أقل رتبة من الهجرة قبل ذلك وكان يقال لها الهجرة الثانية لأن الحرب وضعت أوزارها نحو عامين ثم كان فتح مكة. وبه قال عليهالسلام : لا هجرة بعد الفتح. وقال الطبري : (مِنْ بَعْدُ) ما بينت حكم الولاية فكان الحاجز بين الهجرتين نزول الآية فأخبر تعالى في هذه الآية أنهم من الأولين في الموازرة وسائر أحكام الإسلام ، وقيل : من بعد يوم بدر ، وقال الأصمّ : من بعد الفتح وفي قوله (مَعَكُمْ) إشعار أنهم تبع لا صدر كما قال فأولئك مع المؤمنين وكذلك فأولئك منكم كما جاء «مولى القوم منهم وابن أخت القوم منهم».
(وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). أي وأصحاب القرابات ومن قال : إنّ قوله في المؤمنين المهاجرين والأنصار (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) في المواريث بالأخوة التي كانت بينهم ، قال : هذه في المواريث وهي نسخ للميراث بتلك الأخوة وإيجاب أن يرث الإنسان قريبه المؤمن وإن لم يكن مهاجرا واستدلّ بها أصحاب أبي حنيفة على توريث ذوي الأرحام ، وقالت فرقة منهم مالك : ليست في المواريث وهذا فرار عن توريث الخال والعمّة ونحو ذلك ، وقالت فرقة : هي في المواريث إلا أنها نسختها آية المواريث المبيّنة ، والظاهر أنّ (كِتابِ اللهِ) هو القرآن المنزّل وذلك في آية المواريث ، وقيل : في كتاب الله السابق ، اللوح المحفوظ ، وقيل : في كتاب الله في هذه الآية المنزلة ، وقال الزجاج : في حكمه ، وتبعه الزمخشري ، فقال في حكمه وقسمته وختم السورة بقوله (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ، في غاية البراعة إذ قد تضمنت أحكاما كثيرة في مهمّات الدين وقوامه وتفصيلا لأحوال ، فصفة العلم تجمع ذلك كله وتحيط بمبادئه وغاياته.