بذلك. وانتصب شاهدين على الحال ، والمعنى : ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متنافيين عمارة متعبدات الله تعالى مع الكفر به وبعبادته.
وقرأ زيد بن علي : شاهدون على إضمارهم شاهدون ، وشهادتهم على أنفسهم بالكفر قولهم في الطواف : لبيك لبيك لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك. أو قولهم إذا سئلوا عن دينهم : نعبد اللات والعزى ، أو تكذيبهم الرسول ، أو قول المشرك : أنا مشرك كما يقول اليهودي : هو يهودي ، والنصراني هو نصراني ، والمجوسي هو مجوسي ، والصابىء هو صابىء ، أو ظهور أفعال الكفرة من نصب أصنامهم وطوافهم بالبيت عراة ، وغير ذلك أقوال خمسة ، هذا إذا حمل على أنفسهم على ظاهره ، وقيل : معناه شاهدين على رسولهم ، وأطلق عليه أنفسهم لأنه ما من بطن من بطون العرب إلا وله فيهم ولادة ، ويؤيد هذا القول قراءة من قرأ على أنفسهم بفتح الفاء ، أي أشرفهم وأجلهم قدرا.
(أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) التي هي العمارة والحجابة والسقاية وفك العناة وغيرها مما ذكر أنه من الأعمال الحميدة. قال الزمخشري : وإذا هدم الكفر أو الكبيرة الأعمال الثابتة الصحيحة إذا تعقبها ، فما ظنك بالمقارن؟ وإلى ذلك أشار تعالى بقوله : (شاهِدِينَ) (١) حيث جعله حالا عنهم ، ودل على أنهم قارنون بين العمارة والشهادة بالكفر على أنفسهم في حال واحدة ، وذلك محال غير مستقيم انتهى. وقوله : أو الكبيرة ، دسيسة اعتزال لأن الكبيرة عندهم من المعاصي تحبط الأعمال.
(وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ) ذكر مآل المشركين وهو النار خالدين فيها. وقرأ زيد بن علي : بالياء نصبا على الحال ، وفي النار هو الخبر. كما تقول : في الدار زيد قاعدا. وقال الواحدي : دلت الآية على أنّ الكفار ممنوعون من عمارة مسجد المسلمين ، ولو أوصى لم تقبل وصيته ، ويمنع من دخول المساجد ، فإن دخل بغير إذن مسلم استحق التعزير ، وإن دخل بإذن لم يعزر ، والأولى تعظم المساجد ومنعها منهم. وقد أنزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم وفد ثقيف وهم كفار المسجد ، وربط ثمامة بن أثال الحنفي في سارية من سواري المسجد وهو كافر.
(إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ
__________________
(١) سورة التوبة : ٩ / ١٧.