كنزه. وكما يأخذونه من الرشا في الأحكام ، كإيهام حماية دينهم ، وصدهم عن سبيل الله هو دين الإسلام واتباع الرسول. وقيل : الجور في الحكم ، ويحتمل أن يكون يصدون متعديا وهو أبلغ في الذم ، ويحتمل أن يكون قاصرا.
وقرأ الجمهور : والذين بالواو ، وهو عام يندرج فيه من يكنز من المسلمين. وهو مبتدأ ضمن معنى الشرط ، ولذلك دخلت الفاء في خبره في قوله : فبشرهم. وقيل : والذين يكنزون من أوصاف الكثير من الأحبار والرهبان. وروي هذا القول عن عثمان ومعاوية. وقيل : كلام مبتدأ أراد به مانعي الزكاة من المسلمين ، وروي هذا القول عن السدي ، والظاهر العموم كما قلناه ، فيقرن بين الكانزين من المسلمين ، وبين المرتشين من الأحبار والرهبان تغليظا ودلالة على أنهم سواء في التبشير بالعذاب. وروي العموم عن أبي ذر وغيره. وقرأ ابن مصرّف : الذين بغير واو ، وهو ظاهر في كونه من أوصاف من تقدم ، ويحتمل الاستئناف والعموم. والظاهر ذمّ من يكنز ولا ينفق في سبيل الله. وما جاء في ذم من ترك صفراء وبيضاء ، وأنه يكوى بها إلى غير ذلك من أحاديث هو قبل أن تفرض الزكاة ، والتوعد في الكنز إنما وقع على منع الحقوق منه ، فلذلك قال كثير من العلماء : الكنز هو المال الذي لا تؤدّى زكاته وإن كان على وجه الأرض ، فأما المال المدفون إذا أخرجت زكاته فليس بكنز. قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كل ما أدّيت زكاته فليس بكنز» وعن عمر أنه قال لرجل باع أرضا أحرز مالك الذي أخذت أحفر له تحت فراش امرأتك فقال : أليس بكنز ، فقال : «ما أدّى زكاته فليس بكنز». وعن ابن عمر وعكرمة والشعبي والسدّي ومالك وجمهور أهل العلم مثل ذلك. وقال علي : أربعة آلاف فما دونها نفقة ، وما زاد عليها فهو كنز وإن أدّيت زكاته. وقال أبوذر وجماعة معه : ما فضل من مال الرجل على حاجة نفسه فهو كنز. وهذان القولان يقتضيان أنّ الذم في جنس المال ، لا في منع الزكاة فقط. وقال عمر بن عبد العزيز : هي منسوخة بقوله : «خذ من أموالهم صدقة» (١) فأتى فرض الزكاة على هذا كله ، كأنّ الآية تضمنت : لا تجمعوا مالا فتعذبوا ، فنسخه التقرير الذي في قوله : خذ من أموالهم صدقة ، والله تعالى أكرم من أن يجمع على عبده مالا من جهة أذن له فيها ويؤدّى عنه ما أوجبه عليه فيه ثم يعاقبه وكان كثير من الصحابة رضوان الله عليهم كعبد الرحمن بن عوف ، وطلحة بن عبيد الله ، يقتنون الأموال ويتصرّفون فيها ، وما عابهم أحد ممن أعرض
__________________
(١) سورة التوبة : ٩ / ١٠٣.