عن الفتنة ، لأنّ الإعراض اختيار للأفضل والأدخل في الورع والزهد في الدنيا ، والاقتناء مباح موسع لا يذم صاحبه ، وما روي عن عليّ كلام في الأفضل.
وقرأ أبو السمال ويحيى بن يعمر : يكنزون بضم الياء ، وخص بالذكر الذهب والفضة من بين سائر الأموال لأنهما قيم الأموال وأثمانها ، وهما لا يكنزان إلا عن فضلة وعن كثرة ، ومن كنزهما لم يعدم سائر أجناس الأموال ، وكنزهما يدل على ما سواهما. والضمير في : ولا ينفقونها ، عائد على الذهب ، لأن تأنيثه أشهر ، أو على الفضة. وحذف المعطوف في هذين القولين أو عليهما باعتبار أن تحتهما أنواعا ، فروعي المعنى كقوله : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) (١) أو لأنهما محتويان على جمع دنانير ودراهم ، أو على المكنوزات ، لدلالة يكنزون. أو على الأموال ، أو على النفقة وهي المصدر الدال عليه. ولا ينفقونها ، أو على الزكاة أي : ولا ينفقون زكاة الأموال أقوال. وقال كثير من المفسرين : عاد على أحدهما كقوله : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً) (٢) وليس مثله ، لأن هذا عطف بأو ، فحكمهما أنّ الضمير يعود على أحد المتعاطفين بخلاف الواو ، إلا أن ادّعى أنّ الواو في والفضة بمعنى أو ليمكن ، وهو خلاف الظاهر.
(يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) يقال : حميت الحديدة في النار أي أوقدت عليها لتحمى ، وتقول : أحميتها أدخلتها لكي تحمى أيضا فحميت. وقرأ الجمهور : يوم يحمى عليها بالياء ، أصله يحمى النار عليها ، فلما حذف المفعول الذي لم يسم فاعله ، وأسند الفعل إلى الجملة والمجرور ، لم تلحق التاء كما تقول : رفعت القصة إلى الأمير. وإذا حذفت القصة وقام الجار والمجرور مقامها قلت : رفع إلى الأمير ، ويدل على أنّ ذلك في الأصل مسند إلى النار ، قراءة الحسن وابن عامر في رواية تحمى بالتاء. وقيل : من قرأ بالياء ، فالمعنى : يحمى الوقود. ومن قرأ بالتاء فالمعنى : تحمى النار. والناصب ليوم أليم أو مضمر يفسره عذاب أي : يعذبون يوم يحمى. وقرأ أبو حيوة : فيكوى بالياء ، لما كان ما أسند إليه ليس تأنيثه حقيقيا ، ووقع الفصل أيضا ذكر ، وأدغم قوم جباههم وهي مروية عن أبي عمر وذلك في الإدغام الكبير ، كما أدغم مناسككم وما سلككم ، وخصت هذه المواضع بالكي. قيل : لأنه في الجهة أشنع ، وفي الجنب والظهر أوجع. وقيل : لأنها
__________________
(١) سورة الحجرات : ٤٩ / ٩.
(٢) سورة الجمعة : ٦٢ / ١١.