جاء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ، وهي أمكن من لفظة المتخلفين ، إذ هم مفعول بهم ذلك ، ولم يفرح إلا منافق فخرج من ذلك الثلاثة وأصحاب العذر. ولفظ المقعد يكون للزمان والمكان ، والمصدر وهو هنا للمصدر أي : بقعودهم ، وهو عبارة عن الإقامة بالمدينة. وانتصب خلاف على الظرف ، أي بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقال : فلان أقام خلاف الحي ، أي بعدهم. إذا ظعنوا ولم يظعن معهم. قاله أبو عبيدة ، والأخفش ، وعيسى بن عمرو. قال الشاعر :
عقب الربيع خلافهم فكأنما |
|
بسط السواطب بينهنّ حصيرا |
ومنه قول الشاعر :
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى |
|
تأهب لأخرى مثلها وكأن قد |
ويؤيد هذا التأويل : قراءة ابن عباس ، وأبي حيوة ، وعمرو بن ميمون خلف رسول الله. وقال قطرب ، ومؤرج ، والزجاج ، والطبري : انتصب خلاف على أنه مفعول لأجله أي : لمخالفة رسول الله ، لأنهم خالفوه حيث نهض للجهاد وقعدوا. ويؤيد هذا التأويل قراءة من قرأ خلف بضم الخاء ، وما تظاهرت به الروايات من أنه أمرهم بالنفر فغضبوا وخالفوا وقعدوا مستأذنين وغير مستأذنين ، وكراهتهم للجهاد هي لكونهم لا يرجون به ثوابا ، ولا يدفعون بزعمهم عنهم عقابا. وفي قوله : فرح وكرهوا مقابلة معنوية ، لأن الفرح من ثمرات المحبة. وفي قوله : أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم تعريض بالمؤمنين ويتحملهم المشاق العظيمة أي : كالمؤمنين الذين بذلوا أموالهم وأنفسهم في الجهاد في سبيل الله ، وآثروا ذلك على الدعة والخفض ، وكره ذلك المنافقون ، وكيف لا يكرهونه وما فيهم ما في المؤمنين من باعث الإيمان. والفرح بالقعود يتضمن الكراهة للخروج ، وكأن الفرح بالقعود هو لمثل الإقامة ببلده لأجل الألفة والإيناس بالأهل والولد ، وكراهة الخروج إلى الغزو لأنه تعريض بالنفس والمال للقتل والتلف. واستعذروا بشدّة الحر ، فأجاب الله تعالى عما ذكروا أنه سبب لترك النفر ، وقالوا : إنه قال بعضهم لبعض وكانوا أربعة وثمانين رجلا. وقيل : قالوا للمؤمنين لم يكفهم ما هم عليه من النفاق والكسل حتى أرادوا أن يكسلوا غيرهم وينبهوهم على العلة الموجبة لترك النفر. قال ابن عباس ، وأبو رزين والربيع : قال رجل : يا رسول الله ، الحر شديد ، فلا ننفر في الحر. وقال محمد بن كعب هو رجل من بني سلمة انتهى. أي : قال ذلك عن لسانهم ، فلذلك جاء وقالوا بلفظ الجمع.