وكانت غزوة تبوك في وقت شدّة الحر وطيب الثمار والظلال ، فأمر الله نبيه أن يقول لهم : قل نار جهنم أشد حرا ، أقام الحجة عليهم بأنه قيل لهم : إذا كنتم تجزعون من حر القيظ ، فنار جهنم التي هي أشدّ أحرى أن تجزعوا منها لو فقهتم. قال الزمخشري : قل نار جهنم أشدّ حرا استجهال لهم ، لأنّ من تصوّن من مشقة ساعة فوقع بذلك التصوّن في مشقة الأبد كان أجهل من كل جاهل. ولبعضهم :
مسرّة أحقاد تلقيت بعدها |
|
مساءة يوم إربها شبه الصاب |
فكيف بأن تلقى مسرة ساعة |
|
وراء تقضيها مساءة أحقاب |
انتهى. وقرأ عبيد الله : يعلمون مكان يفقهون ، وينبغي أن يحمل ذلك على معنى التفسير ، لأنه مخالف لسواد ما أجمع المسلمون عليه ، ولما روى عنه الأئمة. والأمر بالضحك والبكاء في معنى الخبر ، والمعنى : فسيضحكون قليلا ويبكون كثيرا ، إلا أنه أخرج على صيغة الأمر للدلالة على أنه حتم لا يكون غيره. روي أنّ أهل النفاق يكونون في النار عمر الدنيا ، لا يرقأ لهم دمع ، ولا يكتحلون بنوم. والظاهر أنّ قوله : فليضحكوا قليلا إشارة إلى مدّة العمر في الدنيا ، وليبكوا كثيرا إشارة إلى تأييد الخلود ، فجاء بلفظ الأمر ومعناه الخبر عن حالهم. قال ابن عطية : ويحتمل أن تكون صفة حالهم أي : هم لما هم عليه من الحظر مع الله وسوء الحال ، بحيث ينبغي أن يكون ضحكهم قليلا وبكاؤهم كثيرا من أجل ذلك ، وهذا يقتضي أن يكون وقت الضحك والبكاء في الدنيا نحو قوله عليهالسلام لأمته : «لو يعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا» وانتصب قليلا وكثيرا على المصدر ، لأنهما نعت للمصدر أي : ضحكا قليلا وبكاء كثيرا. وهذا من المواضع التي يحذف فيها المنعوت ، ويقوم نعته مقامه ، وذلك لدلالة الفعل عليه. وقال أبو البقاء : ويجوز أن يكونا نعتا لظرف محذوف أي : زمانا قليلا ، وزمانا كثيرا انتهى. والأول أجود ، لأن دلالة الفعل على المصدر بحروفه ودلالته على الزمان بهيئته ، فدلالته على المصدر أقوى. وانتصب جزاء على أنه مفعول لأجله ، وهو متعلق بقوله : وليبكوا كثيرا.
(فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ) : الخطاب للرسول والمعنى : فإن رجعك الله من سفرك هذا وهو غزوة تبوك. قيل : ودخول إن هنا وهي للممكن وقوعه غالبا إشارة إلى أنه صلىاللهعليهوسلم لا يعلم بمستقبلات أمره من أجل وغيره ، إلا أن يعلمه الله ،