مستنصرا على الرسول ، فمات وحيدا طريدا غريبا بقنسرين ، وكان قد دعا بذلك على الكافرين وأمّن الرسول ، فكان كما دعا ، وفيه يقول كعب بن مالك :
معاذ الله من فعل خبيث |
|
كسعيك في العشيرة عبد عمرو |
وقلت بأن لي شرفا وذكرا |
|
فقد تابعت إيمانا بكفر |
وقرأ الأعمش : وإرصادا للذين حاربوا الله ورسوله ، والظاهر أنّ من قبل متعلقا بحارب ، يريد في غزوة الأحزاب وغيرها ، أي : من قبل اتخاذ هذا المسجد. وقال الزمخشري : (فإن قلت) : بم يتصل قوله تعالى : من قبل؟ (قلت) : باتخذوا أي : اتخذوا مسجدا من قبل أن ينافق هؤلاء بالتخلف انتهى. وليس بظاهر ، والخالف هو بخرج أي : ما أردنا ببناء هذا المسجد إلا الحسنى والتوسعة علينا وعلى من ضعف أو عجز عن المسير إلى مسجد قباء. قال الزمخشري : ما أردنا ببناء هذا المسجد إلا الخصلة الحسنى ، أو لإرادة الحسنى وهي الصلاة وذكر الله تعالى والتوسع على المصلين انتهى. كأنه في قوله : إلا الخصلة الحسنى جعله مفعولا ، وفي قوله : أو لإرادة الحسنى جعله علة ، وكأنه ضمن أراد معنى قصد أي : ما قصدنا ببنائه لشيء من الأشياء إلا لإرادة الحسنى وهي الصلاة ، وهذا وجه متكلف ، فأكذبهم الله في قولهم ، ونهاه أن يقوم فيه فقال : لا تقم فيه أبدا نهاه لأن بناته كانوا خادعوا الرسول ، فهمّ الرسول صلىاللهعليهوسلم بالمشي معهم ، واستدعي قميصه لينهض فنزلت : «لا تقم فيه أبدا» ، وعبّر بالقيام عن الصلاة فيه.
قال ابن عباس وفرقة من الصحابة والتابعين : المؤسس على التقوى مسجد قباء ، أسسه رسول الله صلىاللهعليهوسلم وصلى فيه أيام مقامه بقباء ، وهي : يوم الاثنين ، والثلاثاء ، والأربعاء ، والخميس ، وخرج يوم الجمعة ، وهو أولى لأنّ الموازنة بين مسجد قباء ومسجد الضرار أوقع منها بين مسجد الرسول ومسجد الضرار ، وذلك لائق بالقصة. وعن زيد بن ثابت ، وأبي سعيد ، وابن عمر : أنه مسجد الرسول. وروي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «هو مسجدي هذا» لما سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى. وإذا صحّ هذا النقل لم يمكن خلافه ، ومن هنا دخلت على الزمان ، واستدل بذلك الكوفيون على أنّ من تكون لابتداء الغاية في الزمان ، وتأوله البصريون على حذف مضاف أي : من تأسيس أول يوم ، لأنّ من مذهبهم أنها لا تجر الأزمان ، وتحقيق ذلك في علم النحو. قال ابن عطية : ويحسن عندي أن يستغنى عن تقدير ، وأن تكون من تجر لفظة أول لأنها بمعنى البداءة ، كأنه قال : من مبتدأ