هذا نفي معناه النهي ، وخصّ هؤلاء بالذكر وكل الناس في ذلك سواء لقربهم منه ، وأنه لا يخفى عليهم خروجه. قال قتادة : كان هذا الإلزام خاصا مع النبي صلىاللهعليهوسلم وجواب النفر إلى الغزو إذا خرج هو بنفسه ، ولم يبق هذا الحكم مع غيره من الخلفاء. وقال زيد بن أسلم : كان هذا الأمر والإلزام في قلة الإسلام ، واحتياج إلى اتصال الأيدي ، ثم نسخ عند قوة الإسلام بقوله : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) (١) قال : وهذا كله في الانبعاث إلى غزو العدو على الدخول في الإسلام ، وأما إذا ألم العدوّ بجهة فيتعين على كل أحد القيام بذنبه ومكافحته ، والإشارة بذلك إلى ما تضمنه انتفاء التخلف من وجوب الخروج معه وبذل النفس دونه ، كأنه قيل : ذلك الوجوب للخروج وبذل النفس هو بسبب ما أعد الله لهم من الثواب الجسيم على المشاق التي تنالهم ، وما يتسنى على أيديهم من إيذاء أعداء الإسلام. والظمأ العطش.
وقرأ عبيد بن عمير ظماء بالمد مثل : سفه سفاها ، ولما كان العطش أشق الأشياء المؤدية للمسافر بكثرة الحركة وإزعاج النفس وخصوصا في شدة الحر كغزوة تبوك بدىء به أولا ، وثنى بالنصب وهو التعب لأنه الكلال الذي يلحق المسافر والإعياء الناشئ عن العطش والسير ، وأتى ثالثا بالجوع لأنه حاله يمكن الصبر عليها الأوقات العديدة ، بخلاف العطش والنصب المفضيين إلى الخلود والانقطاع عن السفر. فكان الإخبار بما يعرض للمسافر أولا فثانيا فثالثا. وموطئا مفعل من وطئ ، فاحتمل أن يكون مكانا ، واحتمل مصدرا. والفاعل في يغيظ عائد على المصدر ، إما على موطىء إن كان مصدرا ، وإما على ما يفهم من موطىء إن كان مكانا ، أي يغيظ ووطؤهم إياه الكفار. وأطلق موطئا إذا كان مكانا ليعم كل موطىء يغيظ وطؤه الكفار ، سواء كان من أمكنة الكفار ، أم من أمكنة المسلمين إذا كان في سلوكه غيظهم. والوطء يدخل فيه بالحوافر والإخفاف والأرجل. وقرأ زيد بن علي : يغيظ بضم الياء. والنيل مصدر ، فاحتمل أن يبقى على موضوعه ، واحتمل أن يراد به المنيل. وأطلق نيلا ليعمّ القليل والكثير مما يسوءهم قتلا وأسرا وغنيمة وهزيمة ، وليست الياء في نيل بدلا من واو خلافا لزاعم ذلك ، بل نال مادتان : إحداهما من ذوات الواو نلته انوله نولا ونوالا من العطية ، ومنه التناول. والأخرى : هذه من ذوات الياء ، نلته أناله نيلا إذا أصابه وأدركه. وبدىء في هاتين الجملتين بالأسبق أيضا وهو الوطء ، ثم ثنى بالنيل من
__________________
(١) سورة التوبة : ٩ / ١٢٢.