العدو. جاء العموم في الكفار بالألف واللام ، وفي من عدو لكونه في سياق النفي ، وبدىء أولا بما يحض المسافر في الجهاد في نفسه ، ثم ثانيا بما يترتب على تحمل تلك المشاق من غيظ الكفار والنيل من العدو. وقال الزمخشري : ويجوز أن يراد بالوطء الإيقاع والإبادة ، لا الوطء بالأقدام والحوافر كقوله عليهالسلام : «آخر وطأة وطئها الله بوج».
والكتب هنا يحتمل أن يكون حقيقة أي : كتب في الصحائف ، أو في اللوح المحفوظ ، ليجازى عليه يوم القيامة. ويحتمل أن يكون استعارة ، عبر عن الثبوت بالكتابة لأنّ من أراد أن يثبت شيئا كتبه. والجملة من كتب في موضع الحال ، وبه أفرد الضمير إجراء له مجرى اسم الإشارة كأنه قيل : إلا كتب لهم بذلك عمل صالح أي : بإصابة الظمأ والنصب والمخمصة والوطء والنيل. وفي الحديث : «من أغرث قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار» وقال ابن عباس : بكل روعة تنالهم في سبيل الله سبعون ألف حسنة. والنفقة الصغيرة قال ابن عباس : كالتمرة ونحوها ، والكبيرة ما فوقها. وقال الزمخشري : صغيرة ولو تمرة ، ولو علاقة سوط ،. ولا كبيرة مثل ما أنفق عثمان في جيش العسرة انتهى. وقدم صغيرة على سبيل الاهتمام كقوله : (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً) (١) (وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ) (٢) وإذا كتب أجر الصغيرة فأحرى أجر الكبيرة. ومفعول كتب مضمر يعود على المصدر المفهوم من ينفقون ويقطعون ، كأنه قيل : كتب لهم هو أي الإنفاق والقطع ، ويجوز أن يعود على قوله : عمل صالح المتقدم الذكر. وتأخرت هاتان الجملتان وقدّمت تلك الجمل السابقة لأنها أشق على النفس وأنكى في العدو ، وهاتان أهون لأنهما في الأموال وقطع الأرض إلى العدو ، سواء حصل غيظ الكفار والنيل من العدو أم لم يحصلا ، فهذا أعم وتلك أخص. وكان تعليل تلك آكد ، إذ جاء بالجملة الاسمية المؤكدة بأنّ ، وذكر فيه الأجر. ولفظ المحسنين تنبيها على أنهم حازوا رتب الإحسان التي هي أعلى رتب المؤمنين. وفي هاتين الجملتين أتى بلام العلة وهي متعلقة بكتب والتقدير : أحسن جزاء الذي كانوا يعملون ، لأن عملهم له جزاء حسن ، وله جزاء أحسن ، وهنا الجزاء أحسن جزاء. وقال أبو عبد الله الرازي : أحسن ما كانوا يعملون فيه وجهان : الأول : أن أحسن من صفة فعلهم ، وفيها الواجب والمندوب دون المباح انتهى. هذا الوجه فاحتمل أن يكون أحسن بدلا من ضمير ليجزيهم بدل اشتمال ، كأنه قيل : ليجزى الله أحسن أفعالهم
__________________
(١) سورة الكهف : ١٨ / ٤٩.
(٢) سورة يونس : ١٠ / ٦١.