حدثنا عبد الملك بن مسلمة ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا يزيد بن أبي حبيب ، أن المسلمين لما سكنوها فى رباطهم ثم قفلوا ثم غزوا ، ابتدروا ، فكان الرجل يأتى المنزل الذي كان فيه صاحبه قبل ذلك فيبتدره فيسكنه ، فلما غزوا قال عمرو : إنى أخاف أن تخربوا المنازل إذا كنتم تتعاورونها ، فلما كان عند الكريون قال لهم : سيروا على بركة الله ، فمن ركز منكم رمحه فى دار فهى له ولبنى أبيه ، فكان الرجل يدخل الدار فيركز رمحه فى منزل منها ، ثم يأتى الآخر فيركز رمحه فى بعض بيوت الدار ، فكانت الدار تكون لقبيلتين ، ثلاث ، وكانوا يسكنونها ، حتى إذا قفلوا سكنها الروم وعليهم مرمّتها.
فكان يزيد بن أبى حبيب ، يقول : لا يحلّ من كرائها شىء ولا بيعها. ولا يورّث ولا يورث منها شىء ، إنما كانت لهم يسكنونها فى رباطهم.
الزيادة فى المسجد الجامع
ثم إن مسلمة بن مخلّد الأنصارى زاد فى المسجد الجامع بعد بنيان عمرو له ، ومسلمة الذي كان أخذ أهل مصر ببنيان المنار للمساجد ، كان أخذه إيّاهم بذلك فى سنة ثلاث وخمسين ، فبنيت المنار وكتب عليها اسمه.
حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، قال : أخذ مسلمة بن مخلّد الناس ببناء منار المساجد ووضع ذلك عن خولان ؛ لأنه كان صاهر إليهم ، وأسقط ذلك عنهم.
ثم هدم عبد العزيز بن مروان المسجد فى سنة سبع وسبعين وبناه. ثم كتب الوليد ابن عبد الملك فى خلافته إلى قرّة بن شريك العبسىّ وهو يومئذ واليه على أهل مصر.
وكانت ولاية قرّة بن شريك مصر فى سنة تسعين ، قدمها يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول ، وعزل عبد الله بن عبد الملك ، وفى ذلك يقول الشاعر (١) :
عجبا ما عجبت حين أتانا |
|
أن قد امّرت قرّة بن شريك |
وعزلت الفتى المبارك عنّا |
|
ثمّ فيّلت فيه رأى أبيك |
فهدمه كلّه وبناه هذا البناء ، وزوّقه ، وذهّب رءوس العمد التى فى مجالس قيس ، وليس فى المسجد عمود مذهّب الرأس إلا فى مجالس قيس ، وحوّل قرّة المنبر حين هدم
__________________
(١) انظر الكندى ص ٦٣ ، والسيوطى ج ١ ص ٥٨٧.