جسده البلى ، ولا دابّة تأكل ثيابه قد يبست عليه لا تبلى ، وكان عابد منهم على ذلك ، وكانوا فى ذلك الزمان يجعل بعضهم على بعض فى البيوت ، وبعضهم فى الصناديق ، فأتاه أخ له فقال : ادعوا به أصلّى عليه ، فأتى به فإذا بدابّة قد خرقت (١) الكفن حتى خرجت من أذنه ، فأحزنه ذلك ، فلما نام لقيه (٢) روح صاحبه فقال : يا أخى ، رأيت حزنك على الدابّة (٣) التى خرجت من أذنى ، ولم يكن بحمد الله لشىء نكرهه ، جلس إلىّ رجلان : أحدهما لى فيه هوى ، والآخر لا هوى لى فيه ، فكان إصغائى إلى ذى الهوى ولم يكن إصغائى إلى الآخر ، وعلى ذلك بنعمة الله لقد حملتهما على مجلود الحقّ فى القضاء.
قال عبد الرحمن : وكان أوّل قاض استقضى بمصر فى الإسلام كما ذكر سعيد ابن عفير ، قيس بن أبى العاص السهمىّ ، فمات ، فكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص أن يستقضى كعب بن يسار بن ضنّة العبسى. قال ابن أبى مريم وهو ابن بنت خالد بن سنان العبسى الذي تزعم عبس فيه أنه تنبّى (٤) فى الفترة بين رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبين عيسى بن مريم (٥) صلوات الله عليهما ولخالد بن سنان حديث فيه طول. فأبى كعب أن يقبل القضاء ، وقال : قضيت فى الجاهليّة ولا أعود إليه فى الإسلام (٦).
حدثنا سعيد بن عفير ، حدثنا ابن لهيعة ، قال : كان قيس بن أبى العاص بمصر ، ولّاه عمرو بن العاص القضاء. وقد قيل إن أوّل من استقضى بمصر كعب بن ضنّة بكتاب عمر ، ولم يقبل ، والله أعلم.
حدثنا المقرئ عبد الله بن يزيد ، حدثنا حيوة بن شريح ، أخبرنا الضحّاك ابن شرحبيل الغافقى ، أن عمّار بن سعد التجيبى أخبرهم أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص : أن يجعل كعب بن ضنّة على القضاء ، فأرسل إليه عمرو فأقرأه كتاب
__________________
(١) ب ، ج ، ك : «أخرقت».
(٢) د : «لقى».
(٣) على الدابة ب : «علىّ للدابة».
(٤) أ ، ك : «تنبّئ».
(٥) رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبين عيسى بن مريم : د «عيسى ومحمد».
(٦) قارن بالكندى : الولاة والقضاة ص ٣٠١ ـ ٣٠٢.