ابن هشام وهو على شرطه يومئذ بذلك ، فبايع الناس إلّا عبد الله بن عمرو ابن العاص ، فأعاد عليه مسلمة الكتاب فلم يفعل (١) ، فقال مسلمة : من لعبد الله ابن عمرو؟ فقال عابس بن سعيد : أنا ، فقدم الفسطاط ، فبعث إلى عبد الله بن عمرو فلم يأته ، فدعا بالنار والحطب ليحرق عليه قصره ، فأتى ، فبايع ، ولم يزل عابس على القضاء والشرط إلى أن توفّى فى أيّام (٢) عبد العزيز بن مروان سنة ثمان وستّين.
ويقال إنما كتب مسلمة بن مخلّد إلى السائب بن هشام فى أخذ بيعة عبد الله ابن عمرو ليزيد بعد موت معاوية بن أبى سفيان. قال ابن بكير : فأخبرنى عبد الله ابن لهيعة ، عن أبى قبيل ، قال : لمّا توفّى معاوية واستخلف يزيد ، كره عبد الله بن عمرو أن يبايع ليزيد ومسلمة بالإسكندرية ، فبعث إليه مسلمة كريب بن أبرهة وعابس بن سعيد ، فدخلا عليه ومعهما سليم بن عتر ، وهو يومئذ قاض وقاص ، فوعظوا عبد الله بن عمرو فى بيعة يزيد ، فقال عبد الله : والله لأنا أعلم (٣) بأمر يزيد (٤) منكم ، وإنّى لأوّل الناس أخبر به معاوية أنه يستخلف (٥) ، ولكن أردت أن يلى هو بيعتى ، وقال لكريب : أتدرى ما مثلك؟ إنما مثلك مثل قصر عظيم فى صحراء غشيه ناس قد أصابهم الحرّ ، فدخلوا يستظلّون فيه ، فإذا هو ملآن من مجالس الناس ، وإنّ صوتك فى العرب كريب بن أبرهة ، وليس عندك شىء ، وأمّا أنت يا عابس بن سعيد فبعت آخرتك بدنياك ، وأمّا أنت يا سليم ابن عتر فكنت قاصا (٦) ، فكان معك ملكان يعينانك ويذكّرانك ، ثم صرت قاضيا فمعك شيطانان يزيغانك عن الحقّ ويفتنانك.
ثم ولّى عبد العزيز بن مروان بشير بن النضر المزنى القضاء.
حدثنى أخى محمد بن عبد الله ، حدثنا وهب الله بن راشد ، عن حيوة بن شريح ،
__________________
(١) ب : «يقبل».
(٢) ولم يزل عابس على القضاء والشرط إلى أن توفى فى أيام : ج «ولم يزل عابس على القضاء والشرط حتى توفى أيام ...».
(٣) والله لأنا أعلم : ج «والله إنى لأعلم».
(٤) بأمر يزيد : ب «بيزيد».
(٥) يستخلف : ج «سيتخلف».
(٦) ج : «قاضيا».