أما نحن فنقول : إن هذا الأخير هو السر الأعظم في إعجاز القرآن الكريم حقا ، وهو يستبطن سائر الجوانب الإعجازية المذكورة آنفا وغيرها مما لم نذكره (١).
لماذا الأخير فقط؟!
وأما لماذا هذا الأخير فقط دون سواه؟! فإن ذلك واضح ، حيث إننا نقصد ب «البلاغة» معنى أوسع مما يقصده علماء المعاني والبيان ، وهذا المعنى يستبطن جميع وجوه الإعجاز وينطبق عليها ، وبيان ذلك يحتاج إلى شيء من البسط في البيان فنقول :
إنه إذا كان الرسول «صلى الله عليه وآله» قد أرسل للناس كافة فلا بد أن تكون معجزته بحيث يستطيع كل من واجهها :
أن يدرك إعجازها ، وأنها أمر خارق للعادة وأنها صادرة عن قدرة عليا ، وقوة قاهرة ، تهيمن على النواميس الطبيعية ، وتقهرها ، وإلا فإنه إذا جاء شخص مثلا إلى بلد ، وادّعى أنه يعرف اللغة الفلانية ، ولم يكن أحد في البلد يعرف شيئا من تلك اللغة ، ولا سمع بها ، فإنهم لا يستطيعون أن
__________________
(١) حيث يجد كل فريق في هذا القرآن ما يناسب فكره وعقليته ويراه معجزا حقا ، فالإخبارات الغيبية والنظام الكامل الذي أتى به وغير ذلك من أمور لا تخفى مما يمكن لأهل كل لغة أن يدركوها هي من مصاديق البلاغة لهم ، وحتى الفصاحة والبلاغة فإن بالإمكان لغير العربي أن يدركها أيضا بتعلم اللغة العربية ومعرفة سر القرآن أو الاعتماد على النقل القطعي ممن قد اطلع على بعض جوانب إعجاز القرآن.