صفحة الكون ، ولعل قوله تعالى : (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا)(١) ، قد استعمل في هذا المعنى أيضا : أي تحقق ذلك وتجسد في الخارج.
ولعل هذا المعنى أقرب من حمل «بدا» على معنى : أظهر للغير ، لأن هذا المعنى لا يناسب التعدية باللام لنفس الذات الإلهية ، فلا يصح أن يقال : بدا لله ، ويكون المعنى : أظهر للغير ، بل هذا غلط ظاهر.
اليهود ، والبداء :
وبعد ، فلو أننا لم نقل بالبداء ، لكنا مثل اليهود الذين نعى الله عليهم اعتقادهم الفاسد ، حيث أنكروا البداء.
وقالوا : إن الله قدر الأرزاق والأشياء منذ الأزل ، ولا تغيير ولا تبديل فيما قدر ، فقد «جف القلم».
وقد قال تعالى مقبحا قولهم هذا :
(وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ)(٢).
وقال الشهرستاني عن اليهود : «ولم يجيزوا النسخ أصلا ، قالوا : فلا يكون بعده شريعة أصلا ؛ لأن النسخ في الأوامر بداء ولا يجوز البداء على الله تعالى» (٣).
فالاعتقاد بالبداء : ضرورة إسلامية وعقيدية ، ومن لوازم ومقتضيات تنزيه
__________________
(١) الآية ٤٨ من سورة الزمر.
(٢) الآية ٦٤ من سورة المائدة.
(٣) الملل والنحل : ج ١ ص ٢١١.