ثم وضعه بأوعر بقاع الأرض حجرا ، وأقل نتائق الدنيا مدرا ، وأضيق بطون الأودية قطرا ، بين جبال خشنة ، ورمال دمثة ، وعيون وشلة ، وقرى منقطعة ، لا يزكو بها خف ولا حافر ، ولا ظلف.
ثم أمر آدم وولده : أن يثنوا أعطافهم نحوه ، فصار مثابة لمنتجع أسفارهم ، وغاية لملقى رحالهم ، تهوى إليه الأفئدة من مفاوز سحيقة إلخ ..» (١).
ويدل على ذلك أيضا : روايات وردت من طرق الخاصة وغيرهم ؛ فمن أرادها فليراجعها في مظانها (٢).
ولعل ظاهر القرآن لا يأبى عن هذا أيضا ؛ حيث جاء التعبير فيه عن تجديد بناء إبراهيم للبيت بقوله : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ)(٣) وهذا لا ينافي أن تكون الأسس والقواعد قد وضعت قبل ذلك ، وإبراهيم هو الذي رفع هذه القواعد ، وشيد على تلكم الأسس ، وهذا موضوع يحتاج إلى بحث وتحقيق ، نسأل الله أن يوفقنا لمعالجته في فرصة أخرى إن شاء الله تعالى.
ب : دعاء إبراهيم عليه السّلام :
ومهما يكن من أمر ، فإن إبراهيم «عليه السلام» قد لاحظ :
أن البيت الذي اختبر الله الناس به قد وضع في بقعة تكون الحياة فيها
__________________
(١) نهج البلاغة بشرح عبده ، الخطبة المعروفة بالقاصعة رقم ١٨٧.
(٢) راجع على سبيل المثال : تفسير نور الثقلين ج ١ ص ١٢٦ ـ ١٢٩ ، والطبري ، والدر المنثور ، وشرح النهج ، وأخبار مكة للأزرقي : ج ١ ص ٣ ـ ٣٠ ، وتفسير البرهان :
ج ١ ص ٣٠٠ وغير ذلك.
(٣) الآية ١٢٧ من سورة البقرة.