وكان البيت وحيدا في الصحراء ، وكان الناس يتركونه ليلا ، ويعودون إليه نهارا ، بدليل أن قصيا سمي «مجمعا» ؛ لأنه جمع القبائل حول البيت : لا يصح ، بل هو لا يدل أيضا ؛ لأن تاريخ مكة قبل قصي خير شاهد على أنها كانت آهلة بالسكان ، معمورة ، ومعروفة ومشهورة ، نعم ربما يكون قصي قد نظم سكن القبائل في مكة بالشكل المناسب.
ومهما يكن من أمر ، فإن تحديد ذلك لا يهمنا كثيرا الآن ، وما يهمنا هو التعرف على المكانة الدينية لمكة ، ومدى ارتباط قبائل العرب ، بل وغيرهم بها ، والحديث عن ذلك لا ينفصل عن الحديث عن البيت العتيق ، الذي تختضنه مكة ، ثم عن قريش التي كان لها شرف خدمة ذلك البيت ، فنقول :
ألف : بناء الكعبة :
الكعبة هي أول بيت وضع للناس ببكة ، مباركا ، وهدى للعالمين ، كما هو صريح القرآن (١) ، والمعروف المشهور هو : أن واضعه هو شيخ الأنبياء إبراهيم «عليه السلام».
ولكننا نجد في كلمات أمير المؤمنين «عليه السلام» ما يدل على أن البيت قد كان من لدن آدم أبي البشر «عليه السلام» ، أما إبراهيم فهو رافع قواعده ومشيد بنيانه وأركانه.
قال «عليه السلام» : «ألا ترون أن الله سبحانه اختبر الأولين من لدن آدم ، صلوات الله عليه ، وإلى الآخرين من هذا العالم ، بأحجار لا تضر ولا تنفع ، ولا تبصر ولا تسمع ، فجعلها بيته الحرام ، (الذي جعله للناس قياما).
__________________
(١) راجع : الآية ٩٦ من سورة آل عمران.