ثم انصرفوا عنه ، فعظم على أبى طالب فراق قومه وعداوتهم ، ولم يطب نفسا بإسلام رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولا خذلانه. وذكر أن أبا طالب حين قالت له قريش هذه المقالة بعث إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
فقال له : يا ابن أخى ، إن قومك قد جاءوني فقالوا كذا وكذا ، للذى قالوا له فأبق على وعلى نفسك ولا تحملنى من الأمر ما لا أطيق. فظن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قد بدا لعمه فيه بداء ، وأنه خاذله ومسلمه ، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه ، فقال له : «يا عم ، والله لو وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى يسارى على أن أترك هذا الأمر ، حتى يظهره الله أو أهلك فيه ، ما تركته!» ، ثم استعبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم فبكى! ثم قام ، فلما ولى ناداه أبو طالب ، فقال : أقبل يا ابن أخى ، فأقبل عليه ، فقال : اذهب يا ابن أخى فقل ما أحببت ، فو الله لا أسلمك لشىء أبدا (١).
ثم إن قريشا حين عرفوا أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله صلىاللهعليهوسلم وإسلامه ، مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة ، فقالوا له : يا أبا طالب ، هذا عمارة بن الوليد أنهد فتى فى قريش وأجمله ، فخذه فلك عقله ونصره واتخذه ولدا ، وأسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي خالف دينك ودين آبائك وفرق جماعة قومك وسفه أحلامهم فنقتله ، فإنما هو رجل كرجل ، قال : والله لبئس ما تسوموننى! أتعطونني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابنى تقتلونه! هذا والله ما لا يكون أبدا. فقال المطعم بن عدى بن نوفل بن عبد مناف : والله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك وجهدوا على التخلص مما تكره ، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا ، فقال له أبو طالب : والله ما أنصفونى ، ولكنك قد أجمعت خذلانى ومظاهرة القوم على ، فاصنع ما بدا لك أو كما قال. فحقب الأمر وحميت الحرب وتنابذ القوم وبادى بعضهم بعضا (٢).
__________________
(١) انظر الحديث فى : البداية والنهاية لابن كثير (٣ / ٤٨) ، الألبانى فى السلسلة الضعيفة (٩٠٩) ، وقال : هذا إسناد ضعيف معضل ، يعقوب بن عتبة هذا من ثقات أتباع التابعين مات سنة ثمان وعشرين ومائة ، وقد وجدت للحديث طريقا أخرى بسند حسن لكن بلفظ : «ما أنا بأقدر على أن أدع لكم ذلك ، على أن تستشعلوا لى منها شعلة» يعنى الشمس ، وقد خرجته فى الأحاديث الصحيحة (٩٢).
(٢) قال فى السيرة بعد أن ذكر ما أورد ابن هشام هنا : فقال أبو طالب عند ذلك ، يعرض بالمطعم ابن عدى ، ويعم من خذله من بنى عبد مناف ، ومن عاداه من قبائل قريش ، ويذكر ما سألوه ، وما تباعد من أمرهم :