ونحمى حماها كل يوم كريهة |
|
ونضرب عن أحجارها من يرومها |
بنا انتعش العود الذوى وإنما |
|
بأكنافنا تندى وتنمى أرومها |
ثم إن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش ، وكان ذا سن فيهم ، وقد حضر الموسم ، فقال لهم : يا معشر قريش ، إنه قد حضر هذا الموسم ، وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه ، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا فأجمعوا فيه رأيا واحدا ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا ، قالوا : فأنت يا أبا عبد شمس ، فقل وأقم لنا رأيا نقول فيه ، قال : بل أنتم فقولوا أسمع. قالوا : نقول : كاهن. قال : والله ما هو بكاهن ، لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة (١) الكاهن ولا سجعه. قالوا : فنقول : مجنون. قال : ما هو بمجنون ، لقد رأينا الجنون وعرفناه ، فما هو بخنقه ولا تخالجه (٢) ولا وسوسته. قالوا : فنقول شاعر. قال ما هو بشاعر ، لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر قالوا : فنقول ساحر. قال : ما هو بساحر ، قد رأينا السحار وسحرهم ، فما هو بنفثه ولا عقده (٣) ، قالوا : فما نقول يا أبا عبد شمس؟ قال : والله إن لقوله لحلاوة وإن أصله لعذق (٤) وإن فرعه لجناة ، وما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل ، وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا ساحر ، جاء بقول هو سحر ، يفرق به بين المرء وأبيه ، وبين المرء وأخيه ، وبين المرء وزوجه ، وبين المرء وعشيرته ، فتفرقوا عنه بذلك ، فجعلوا يجلسون لسبل الناس حين قدموا الموسم ، لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه ، وذكروا لهم أمره ، وصدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم فانتشر ذكره فى بلاد العرب كلها (٥).
فلما خشى أبو طالب دهماء العرب أن يركبوه مع قومه قال قصيدته التي يعوذ فيها بحرم مكة وبمكانه منها ، وتودد فيها أشراف قومه ، وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم فى ذلك من شعره أنه غير مسلم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولا تاركه لشىء أبدا حتى يهلك دونه. وأولها :
__________________
(١) زمزمة الكاهن : أى كلام خفى لا يهم.
(٢) التخالج : اختلاج الأعضاء وتحركها عن غير إراده.
(٣) نفثه وعقده : هذه إشارة إلى ما كان يفعل الساحر إذ كان يأخذ خيطا فيعقده ثم ينفث عليه بلا ريق.
(٤) العذق : الكثير الشعب والأطراف ، ومن رواه عذق فمعناه كثير الماء ، والعذق : كل غصن له شعب ، وأيضا هو النخلة عند أهل الحجاز. انظر : اللسان (مادة عذق).
(٥) انظر : السيرة (١ / ٢٢٢ ـ ٢٢٤).