لقد علم الأقوام أن سراتكم |
|
على كل حال خير أهل الجباجب (١) |
فقوموا فصلوا ربكم وتمسحوا |
|
بأركان هذا البيت بين الأخاشب |
فعندكم منه بلاء ومصدق |
|
غداة أبى يكسوم هادى الكتائب |
كتيبته بالسهل تمسى ورجله |
|
على القاذفات فى رءوس المناقب (٢) |
فلما أتاكم نصر ذى العرش ردهم |
|
جنود إله بين ساف وحاصب |
فولوا سراعا هاربين ولم يؤب |
|
إلى قومه ملحبش غير عصائب |
فإن تهلكوا نهلك وتهلك عصائب |
|
يعاش بها قول امرئ غير كاذب |
ثم إن قريشا اشتد أمرهم ، للشقاء الذي أصابهم ، فى عداوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومن أسلم معه منهم ، فأغروا برسول الله صلىاللهعليهوسلم سفهاءهم ، فكذبوه وآذوه ورموه بالشعر والسحر والكهانة والجنون ، رسول الله صلىاللهعليهوسلم مظهر لأمر الله لا يستخفى به ، مباد لهم بما يكرهون من عيب دينهم ، واعتزال أوثانهم ، وفراقه إياهم على كفرهم.
فحدث عروة بن الزبير أنه قال لعبد الله بن عمرو بن العاص : ما أكثر ما رأيت قريشا أصابوا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما كانوا يظهرون من عداوته؟ قال : حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما فى الحجر ، فذكروا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا : ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قط! سفه أحلامنا وشتم آباءنا وعاب ديننا وفرق جماعتنا وسب آلهتنا ، لقد صبرنا معه على أمر عظيم. أو كما قالوا. فبينما هم فى ذلك طلع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأقبل يمشى حتى استلم الركن ، ثم مر بهم طائفا بالبيت ، فلما مر بهم غمزوه ببعض القول.
قال : فعرفت ذلك فى وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم مضى فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها ، فعرفت ذلك فى وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم مر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها ، فوقف ثم قال : «أتسمعون يا معشر قريش؟! والذي نفسى بيده لقد جئتكم بالذبح». قال : فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع ، حتى أن أشدهم وصاة فيه قبل ذلك ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول ، حتى إنه ليقول : انصرف يا أبا القاسم ، فو الله ما كنت جهولا. قال : فانصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى إذا كان الغد
__________________
(١) الجباجب : بالضم هو المستوى من الأرض وهى هنا أسماء منازل بمنى سميت به لأنه كروش الأضاحى تلقى فيها أيام الحج.
(٢) القاذفات : أعالى الجبال ، وقيل : هى كل ما أشرف من رءوس الجبال وأعاليها. المناقب : جمع منقبة ، الطريق الضيق بين دارين أو جبلين لا يستطاع سلوكه.