وجعل الله تلك الحصباء عظيما شانها ، لم تترك من المشركين رجلا إلا ملأت عينيه.
واستولى عليهم المسلمون معهم الله وملائكته يقتلونهم ويأسرونهم ويجدون النفر كل رجل منهم منكبّ على وجهه لا يدرى أين يتوجه ، يعالج التراب ينزعه من عينيه.
فقتل الله من قتل من صناديد قريش ، وأسر من أسر من أشرافهم.
فلما وضع القوم أيديهم يأسرون وسعد بن معاذ قائم على باب العريش الذي فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم متوشح السيف فى نفر من الأنصار يحرسون رسول الله صلىاللهعليهوسلم خوف كرة العدو عليه ، رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى وجه سعد الكراهية لما يصنع الناس ، فقال له : «لكأنك والله يا سعد تكره ما يصنع القوم؟» (١) فقال : أجل والله يا رسول الله ، كانت أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك ، فكان الإثخان فى القتل أحب إلى من استقبال الرجال.
وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم يومئذ لأصحابه : «إنى قد عرفت أن رجالا من بنى هاشم وغيرهم أخرجوا كرها ، لا حاجة لهم بقتالنا ، فمن لقى منكم أحدا من بنى هاشم فلا يقتله ، ومن لقى أبا البخترى بن هشام فلا يقتله ، ومن لقى العباس عم رسول الله فلا يقتله ، فإنه إنما خرج مستكرها». فقال أبو حذيفة : أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشيرتنا ونترك العباس! والله لئن وجدته لألحمنه السيف. فبلغت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال لعمر بن الخطاب : «يا أبا حفص». قال عمر : والله ، إنه لأول يوم كنانى فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأبى حفص. «أيضرب وجه عم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالسيف؟» (٢) فقال عمر : يا رسول الله ، دعنى فلأضرب عنقه بالسيف ، فو الله لقد نافق.
فكان أبو حذيفة يقول : ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ ولا أزال منها خائفا إلا أن تكفرها عنى الشهادة ، فقتل يوم اليمامة شهيدا رحمهالله.
وإنما نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن قتل أبى البخترى لأنه كان أكف القوم عنه بمكة ، وكان لا يؤذيه ولا يبلغه عنه شيء يكرهه ، وكان ممن قام فى نقض الصحيفة التي كتبت قريش على بنى هاشم وبنى المطلب.
فلقيه المجذر بن زياد البلوى حليف الأنصار ـ يوم بدر ـ فقال له : إن رسول الله
__________________
(١) انظر الحديث فى : البداية والنهاية لابن كثير (٣ / ٢٨٤) ، تاريخ الطبرى (٢ / ٣٤) ، الكامل فى التاريخ لابن الأثير (٢ / ١٢٦).
(٢) انظر الحديث فى : تاريخ الطبرى (٢ / ٣٤) ، عيون الأثر لابن سيد الناس (١ / ٣٩٨).