وقالت عائشة رضى الله عنها : لما أتى نعى جعفر عرفنا فى وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم الحزن.
ولما انصرف خالد قافلا بالناس ودنوا من المدينة تلقاهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمسلمون ، ولقيهم الصبيان يشتدون ورسول الله صلىاللهعليهوسلم مقبل مع القوم على دابة ، فقال : خذوا الصبيان فاحملوهم وأعطونى ابن جعفر. فأتى بعبد الله بن جعفر فأخذه فحمله بين يديه وجعل الناس يحثون على الجيش التراب ويقولون : يا فرار ، فررتم فى سبيل الله! فيقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله» (١).
وقالت أم سلمة زوج النبيّ صلىاللهعليهوسلم لامرأة سلمة بن هشام بن العامر بن المغيرة : ما لي لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ قالت : والله ما يستطع أن يخرج ، كلما خرج صاح به الناس : يا فرار ، فررتم فى سبيل الله! حتى قعد فى بيته فما يخرج.
وقد قال فيما كان من أمر الناس وأمر خالد ومخاشاته بالناس وانصرافه بهم ـ قيس ابن المسحر اليعمرى يعتذر مما صنع يومئذ وصنع الناس :
ووالله لا تنفك نفسى تلومنى |
|
على موقفى والخيل قابعة قبل |
وقفت بها لا مستجيزا فنافذا |
|
ولا مانعا من كان حم له القتل (٢) |
على أننى آسيت نفسى بخالد |
|
ألا خالد فى القوم ليس له مثل |
وجاشت إلى النفس من نحو جعفر |
|
بمؤتة إذ لا ينفع النابل النبل |
وضم إلينا حجزتيهم كليهما |
|
مهاجرة لا مشركون ولا عزل |
فبين قيس فى شعره ما اختلف الناس فيه من ذلك : أن القوم حاجزوا وكرهوا الموت وحقق انحياز خالد بمن معه.
وكان مما بكى به أصحاب مؤتة قول حسان بن ثابت :
تأوبنى ليل بيثرب أعسر |
|
وهم إذا ما هوم الناس مسهر (٣) |
لذكرى حبيب هيجت لى عبرة |
|
سفوحا وأسباب البكاء التذكر |
بلى إن فقدان الحبيب بلية |
|
وكم من كريم يبتلى ثم يصبر |
رأيت خيار المؤمنين تواردوا |
|
شعوب وخلفا بعدهم يتأخر |
__________________
(١) انظر الحديث فى : البداية والنهاية لابن كثير (٤ / ٢٥٣).
(٢) مستجيزا : أى منحازا إلى ناحية.
(٣) تأوبنى : أى عاودنى ورجع إلىّ.