[١٢] / قلت : وفي كل واحد منها من المصالح ما لا يخفى ، ولكن الرحمة التي يغيث الله بها العباد في جميع البلاد هي ماء المطر ؛ والدليل على ذلك قوله تعالى : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ) الآية [فاطر ٣٥ / ٢] ، قال المفسرون هذه الرحمة هي الغيث ، نسأل الله تعالى أن يرحمنا برحمته الواسعة في جميع الأوقات ، وأن يسقينا الغيث في أيام الحاجات. آمين ، إنه على ما يشاء قدير.
فائدة : قد ذكرنا قوله تعالى : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها) [فاطر ٣٥ / ٢]. وبهذه الآية يبطل قول من يقول من الفساق الجاهلين ، والغواة المارقين (٦) ، إنه يتصرف بالغيث حيث كان ، ويصرفه ويجلبه إلى حيث أحب من البلدان ، لأن المخلوق ضعيف لا يملك التصرف لنفسه ولا لغيره ، لا يعطي ولا يمنع ، ولا يضر ولا ينفع ، فكيف يملك التصرف بالغيث؟! نعوذ بالله من فساد هذه المقالة ، المؤدية إلى الضلالة ، التي يأباها الطبع. وينكرها الشرع ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فصل [في الرعد والبرق]
وأما الرعد والبرق فقد ذكر الواحدي (٧) في تفسيره الوسيط أن الرعد ملك موكل بالسحاب ، والصوت الذي يسمع هو زجره للسحاب إذا زجر (٨). ويقال : الرعد صوت الملك إذا زجر ؛ والبرق أثر ضرب الملك للسحاب.
__________________
(٦) الفساق الجاهلين ، والغواة المارقين : العصاة الجهلة وأصحاب الضلال والخيبة الخارجين عن الدين.
(٧) الواحدي (... ـ ٤٦٨ ه) ـ (... ـ ١٠٧٦ م) : علي بن أحمد بن محمد بن علي بن متّوية ، أبو الحسن الواحدي ، مفسر عالم بالأدب ، نعته الذهبي بإمام علماء التأويل. له مصنفات في التفسير واللغة والأدب (الأعلام ٤ / ٢٥٥).
(٨) زجره للسحاب إذا زجر : سوقه للسحاب إذا أصدر صوته.