فيها رجال كثير من الفريقين. وكان ثابت المذكور منعزلا عنهم فلما تطاولت الحرب سعى في إطفائها وحسب القتلى فوجدهم كثيرا فطرح خمس مئة واثنين وسبعين بخمس مئة واثنين وسبعين حسابا ، وبقي الفاضل بينهم سبعة وأربعين رجلا ، فحمل ديتهم من نفسه وأصلح ما بين قومه.
[فصل [في وفائهم]
وأما وفاؤهم فإن الملك النعمان بن المنذر اللخمي (٢١) ، كان له يوم بؤس لا يقبل فيه أحد إلا قتله ، فخرج يوم بؤسه إلى ظهر الكوفة ، فلقيه شريك بن أخفش الطائي ، وكان يعتاد الوصول إليه ، فقال له النعمان : يا شريك ، ما حاجتك في مثل هذا اليوم الذي لا يسلم فيه مني أحد؟ قال : الحين (٢٢) ، قال : فإنه لا بد من قتلك. قال : أمهلني حتى أبلغ إلى أولادي ، وأوصيهم وأوصي بهم. قال : ومن الكفيل بك حتى ترجع إلى الموت؟ فقال : إما عمرو بن مرة (٢٣)
__________________
يناصرونهم ، فقتلوا ملك الحبشة وهو مسروق بن أبرهة الأشرم ودخلوا صنعاء ، وكتبوا إلى كسرى بالفتح ، فألحقت اليمن ببلاد الفرس على أن يكون ملكها والمتصرف في شؤونها سيف بن ذي يزن ، وعاد الفرس إلى بلادهم ، واستبقى سيف جماعة من الحبشان أشفق عليهم وجعلهم خدما له ، فائتمروا به وقتلوه بصنعاء ، وهو آخر من ملك اليمن من قحطان.
(الأعلام ٣ / ١٤٩).
(٢١) النعمان بن المنذر اللخمي (... ـ نحو ١٥ ق ه) ـ (... ـ نحو ٦٠٨ م) : من أشهر ملوك الحيرة في الجاهلية ، كان داهية مقداما ، وهو صاحب إيفاد العرب على كسرى وصاحب يومي البؤس والنعيم ، ملك الحيرة إرثا عن أبيه نحو سنة ٥٩٢ م ، وكانت تابعة للفرس ، فأقره عليها كسرى ، فاستمر إلى أن نقم عليه كسرى أبرويز ، فعزله ونفاه ثم قتله. (الأعلام ٨ / ٤٣).
(٢٢) الحين : الهلاك والموت.
(٢٣) عمرو بن مرة بن صعصعة من سلول من عدنان ، جدّ جاهلي من نسله قردة بن نفاثة من الصحابة وعبد الله بن همام من الشعراء (الأعلام ٥ / ٨٦).