فصل [في شجاعتهم وعلو همتهم]
فأما شجاعتهم وعلو همتهم فإنه لم يكن في العرب أقوى من عنترة بن عمرو بن شداد (٢٨) رأسا ، ولا أشد منه بأسا ، لأنه رجل عظيم الهيبة ، جليل الخطر ، شجاع ، مخوف السطوة في البدو والحضر ، وقائعه في الحروب والمغازي مشهورة ، ونجدته وهمته بكل لسان مذكورة. وكان معاصرا لعمرو بن معدي كرب الزبيدي (٢٩) ، بطن من مذحج ، وكان عمرو المذكور شجاعا كاملا قد أسر جماعة من صناديد العرب ، فلما بلغ علم أسره لهم إلى عنترة ، ضاق صدره من ذلك وحلف ، لا بد له من غزو عمرو إلى بلده كائنا ما كان.
فلما بلغ عمرو يمينه التي حلفها ضحك من قوله ، وتعجب ، وقال : قد بلغ خطر عنترة أن يطلق لسانه عليّ بما تكلّم ، ثم كتب أبياتا من الشعر وأرسل بها
__________________
شاعر جاهلي حكيم من سكان خيبر في شمالي المدينة ، كان يتنقل بينها وبين حصن له سماه الأبلق. أشهر شعره لاميته التي مطلعها :
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه |
|
فكل رداء يرتديه جميل |
وهي من أجود الشعر ، وفي علماء الأدب من ينسبها لعبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي ، وهو الذي تنسب إليه قصة الوفاء مع امرئ القيس الشاعر (الأعلام ٣ / ١٤٠).
(٢٨) عنترة العبسي (... ـ نحو ٢٢ ق ه) ـ (... ـ نحو ٦٠٠ م) : عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية بن قراد العبسي ، أشهر فرسان العرب في الجاهلية ، ومن شعراء الطبقة الأولى من أهل نجد ، أمه حبشية اسمها زبيبة ، سرى إليه السواد منها ، وكان من أحسن العرب شيمة وأعزهم نفسا ، يوصف بالحلم على شدة بطشه ، وفي شعره رقة وعذوبة ، وكان مغرما بابنة عمه عبلة ، وعاش طويلا ، ومات مقتولا. (الأعلام ٥ / ٩١).
(٢٩) عمرو بن معديكرب الزبيدي (... ـ ٢١ ه) ـ (... ـ ٦٤٢ م) : هو عمرو بن معديكرب بن ربيعة بن عبد الله الزبيدي ، فارس اليمن ، وصاحب الغارات المذكورة ، وفد على المدينة سنة ٩ ه ، في عشرة من بني زبيد ، فأسلم وأسلموا ، وعادوا ، ولما توفي النبي صلىاللهعليهوسلم ارتد عمرو في اليمن ، ثم رجع إلى الإسلام ، فبعثه أبو بكر إلى الشام ، فشهد اليرموك وذهبت فيها إحدى عينيه ، وبعثه عمر إلى العراق فشهد القادسية ، وكان عصي النفس ، أبيّها ، فيه قسوة الجاهلية ، يكنى أبا ثور ، أخبار شجاعته كثيرة ، له شعر جيد ، توفي على مقربة من الريّ ، وقيل : قتل عطشا يوم القادسية. (الأعلام ٥ / ٨٦).