رضي الله تعالى عنه ، أنه قال : من اختار الخلوة على الصحبة ينبغي أن يكون خاليا من جميع الأذكار إلا ذكر ربه. وخاليا من جميع المرادات إلّا مراد ربه ، وخاليا من مطالبة النفس بجميع الأسباب ، فإن لم يكن بهذه الصفة فإن خلوته توقعه في فتنة أو بلية.
فائدة :
ذكر الشيخ الإمام العارف بالله شهاب الدين السهروردي في كتابه (عوارف المعارف) كلاما في العزلة حاصله : أن العزلة عن الخلق وجمع الهم وملازمة الذكر ، له تأثير عظيم في تنوير القلب وصفاء الباطن ، مفهومه سواء كان على أصل صحيح أم لا.
قال : وقد اشتغل بذلك كثير من الدهريين ، والفلاسفة المارقين. مقصدهم الاستعانة بها على اكتساب علوم رياضية ، ففتح عليهم بتنوير القلب وصفاء الباطن ، فما زادهم ذلك إلا غرورا وحماقة وبعدا من الله تعالى. دخل عليهم الشيطان وسوّل لهم أنواع الطغيان ، فأنكروا الحدود والأحكام والحلال والحرام ، ولم يزل بهم ذلك حتى خلعوا من أعناقهم ربقة الإسلام (١٩) ، ولا يزال المقبل على ذلك يستغويه الشيطان بما يكسب من العلوم الرياضية ، أو بما يتراءى له من صدق الخواطر ، حتى يركن إليه كل الركون ، ويظنّ أنه قد فاز وظفر بالمقصود ، وما ازداد بذلك إلا بعدا من الله تعالى.
قلت : وإذا كان الأمر كذلك ، فمقتضى كلامه رحمه الله تعالى ، أنه لا يصلح الدخول في الخلوة إلا بمقصد صحيح ، وحسن سياسة شرعية ، ومتابعة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، فمن فعل ذلك فتح عليه بشيء من تنوير القلب
__________________
(١٩) ربقة الإسلام : حبل الإسلام وعقدته وعروته.