إن أوقفناه عندنا في مكان وطلبنا له الحكماء نخشى (١٦) أن تعتقد الناس صلاحه فيقبلوا عليه ، ويصبح عندنا فتنة ، بل المصلحة أن نرسل به إلى فقهاء زبيد ، ليختبروا حاله ويأمروا فيه بما يعرفون.
فأرسل به إليهم ، فلما صار بين أيديهم تكلموا معه واختبروه ثم اختلفوا في أمره ، فقال بعضهم : هذا مرتدّ يقتل إن لم يتب ، وقال بعضهم : هذا مجنون يترك ، وقال بعضهم : هذا عليل يداوى ، ثم بعد ذلك أجمع أمرهم أن يطرد إلى برّ العجم ، وأعلموا السلطان بذلك ، وأخرجه إلى ذلك البر ، وقد عافاه الله تعالى من ذلك الألم ، وبقي فيه منه أدنى بقية لم يصح بالكلية.
ثم بعد ذلك إني سألت أهل الخبرة بحاله ، ما السبب الذي أوجب زوال عقله؟ فقال : ما أعلم لذلك سببا إلا أنه اعتزل عن الناس واختلى بنفسه في مسجد ، وصام ولازم بعض الأذكياء ليلا ونهارا ، وعزم على أنه يقيم على ذلك / أربعين يوما ، فلم نعلم في بعض الأيام إلا وقد خرج من العزلة ، وتكلم بهذا الكلام.
فعرفت بمقالة هذا القائل أن هذا الرجل دخل الخلوة على غير أصل صحيح. فأوقعته خلوته في هذا الأمر القبيح ، ويشهد لصحة ذلك ما رواه الشيخ الإمام المحقق شهاب الدين السهروردي (١٧) بالإسناد الصحيح عن أبي تميم المغربي (١٨)
__________________
(١٦) نخشى : ليست في الأصل ، وقد اضطرني إليها السياق.
(١٧) شهاب الدين السهروردي (٥٣٩ ـ ٦٣٢ ه) ـ (١١٤٥ ـ ١٢٣٤ م) : هو عمر بن محمد بن عبد الله بن عموية ، أبو حفص شهاب الدين القرشي ، التيمي البكري السهروردي : فقيه شافعي مفسر ، واعظ من كبار الصوفية ، مولده في سهرورد ووفاته ببغداد ، كان شيخ الشيوخ ببغداد ، وأوفده الخليفة الناصر لدين الله إلى عدة جهات رسولا ، وأقعد في آخر عمره ، فكان يحمل إلى الجامع في محفة ، له كتب منها عوارف المعارف وغيره. (الأعلام ٥ / ٦٢) و (معجم البلدان ٣ / ٢٩٠) و (غربال الزمان ٥١١ ـ ٥١٢).
(١٨) أبو تميم المغربي : لم أعثر على ترجمة للمغربي بهذه الكنية فيما رجعت إليه من مصادر.