إليه من يسمعه إياها ، فلما سمعها ازداد غيظا (٣٠) وحنقا وحمية ، فصاح بقومه بني عبس ، وجمع منهم جمعا ، وسار غازيا إلى منزل عمرو ، فلم يعلم عمرو إلّا وفرسان عبس قد أقبلت إليه سباقا ، فنادى في بني زبيد ، فخرجوا إليهم ، واقتتلوا قتالا شديدا ، وكثر القتل في الفريقين.
فلما طالت الحرب ولّت عبس مدبرة ، فبقي عنترة معقبا عليهم وهو ينادي يا آل عبس ، فلم يلتفت إليه أحد / فلما تحقق الهزيمة أصحابه بقي يحامي على أعقابهم ، فحمل عليه عمرو بن معدي كرب ، فطعنه بأسفل الرمح ، فكبه على وجهه ، وقبضه من شعره (٣١) وأخذه أسيرا ، فأقام عنترة عنده زمانا طويلا في الحبس ، ثم أنشد هذه الأبيات وهو في الوثاق : [الوافر]
لقد أنذرت لو أغنى ولكن |
|
أبى القدر المتاح لكلّ نفس |
فمن يك للردى أمسى رهينا |
|
وإن بعد المدى في يوم نحس |
فما أبكي لما أمسيت فيه |
|
من الغلّ الثقيل وطول حبس |
ولكني لزمت وقد تولّى |
|
وأسلمني فوارس آل عبس |
وولّوا هاربين بكل وعر |
|
وخيلهم تسام بكلّ تعس |
فلما سمع عمرو المذكور جزّ ناصيته وأخلى سبيله ، وكذلك أسر العباس بن مرداس السلمي (٣٢) في حال الحرب وأوثقه فقال أيضا وهو في الوثاق هذه الأبيات : [الوافر]
__________________
(٣٠) في الأصل : غيضا.
(٣١) في الأصل : وقبض من شرد.
(٣٢) العباس بن مرداس السلمي (... ـ نحو ١٨ ه) ـ (... ـ نحو ٦٣٩ م) : هو العباس بن مرداس بن أبي عامر السلمي من مضر ، أبو الهيثم ، شاعر فارس ، من سادات قومه ، أمه الخنساء الشاعرة ، أدرك الجاهلية والإسلام وأسلم قبيل فتح مكة ، وكان من المؤلفة قلوبهم وكان ممن ذم الخمر وحرمها في الجاهلية ، ومات في خلافة عمر (الأعلام ٣ / ٢٦٧).